نسخة مترجمة من "رحلة إلى الهند" للروائي أي. ام. فورستر

الغلاف- (من المصدر)
الغلاف- (من المصدر)
عزيزة علي عمان- صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، رواية "رحلة إلى الهند" للروائي البريطاني أي. ام. فورستر، التي ترجمها للعربية عز الدين إسماعيل، وراجعها لويس مرقس وكتب أستاذ الأدب الإنجليزي في الجامعة الأردنية سابقا د. محمد شاهين مقدمة لها. يلخص د. محمد شاهين ابرز ما تطرحه الرواية وهو سؤال بسيط وباطنه عميق، وهو: "هل يمكن أن تتحقق صداقة بين طرف مستعمِر وآخر مستعمَر في الوقت الذي يجثم فيه الطرف الغالب على أرض الطرف المغلوب؟"، يُخضع الراوي هذا السؤال إلى مناسبات عدة في الرواية ليتبين مدى القدرة العملية على تحقيق تصالح من نوع أو آخر بين الطرفين لكن هذه المحاولات المبذولة لهذا الغرض تبوء في الغالب بالفشل، ومن قبيل المفارقة فإنها تعمّق الهوة بينهما وتزيد من اتساعها. وتأتي خاتمة الرواية تتويجاً للتعبير عن غياب أمر المصالحة جملة وتفصيلاً، إذ توجز القول إن العصمة في هذا الشأن هي بيد الهند نفسها التي ترفض سماؤها وأرضها وصخورها، ومكوناتها الطبيعية سؤال المصالحة الذي يعرضه فيلدنج نيابة عن الطرف الغالب على عزيز الذي يمثل الطرف المغلوب؛ إذ توجز الهند قولها: "ليست المصالحة الآن ولا هي هنا...". جاءت المقدمة بعنوان "رحلة إلى الهند: مواجهة في الميدان"، حيث يرى شاهين أن الرواية تعد مولودا جديدا يخرج من رحم الرواية الإنجليزية التي تأسست دعائمها كتقليد أدبي راسخ البنيان، وذلك كمعول يطيح بالهيمنة الاستعمارية، وينتقل بها من قصة تروي تاريخ الحدث إلى رواية خلاقة بنغمها وإيقاعها ونبوءتها وبحثها عن الحقيقة، وتتجلى فيها قضية الاستعمار بأعمق جوانبه، ولكن برؤية مغايرة لما نعهده من تجليات في سرديات أخرى تعتمد اعتمادا رئيسيا على العرض الصريح لتاريخ الاستعمار وهيمنته ووجوده جملة وتفصيلا، حيث ان تلك السرديات تملي على المستقبل أن يتوقف عند مجرد ما تكتشفه من طروحات الاستعمار المعروفة وهي الهيمنة التي يمارسها الطرف المستعمِر على الطرف المستعمر. ويرى شاهين ان من أهم الميزات التي تتمتع بها هذه الرواية هي أنها تستشف منظور التحرر من الاستعمار قبيل رحيله فعلاً عن الهند بعقدين من الزمن، وذلك من خلال تضامن بين مختلف الأصول والمنابت والمعتقدات الهندية. هذه كلمات عزيز، الشخصية المحورية في الرواية: الهندوس والمسلمون والسيخ والجميع وحدة واحدة في وجه الاستعمار... . تجسد هذه الكلمات الروح الغاندية التي كان غاندي يمارسها في حملته السلمية ضد الاستعمار إثر عودته من جنوب إفريقيا وهو يحمل رسالة التضامن بين المسلمين والهندوس العام 1915، والتي بلغت ذروتها بين العامين 1920-1923، في الوقت الذي كانت رحلة إلى الهند تتشكل على الورق في مخاضها الذي دام ما يقرب من اثني عشر عاماً (1912-1924). ويقول شاهين إن الرواية التي ظهرت ترجمتها العربية في العام 1958، تعلن عن اشهار لنبوءة هي ان الهند ستتحرر من ربقة الاستعمار مستقبلا. وهذا ما حصل فعلا لاحقا بعد عقدين من نشر الرواية التي ظهرت في العام 1924، ولحقها تحرر الهند في العام 1948، والمعروف أن هذه "النبوءة"، ساهمت في التنبه الى قيمة الرواية وانتشارها كعمل روائي متميز؛ إذ أجمع الناقد على أن رواية فورستر هي خير ما نجح في رصد العلاقة الشائكة بين المستعمِر والمتسعمَر، لافتا الى ان ظاهرة "النبوءة"، في هذا العمل من ضمن مكونات أركان الرواية، العمل النقدي الذي كتبه فورستر في العام 1927، بعيد ظهور رحلة إلى الهند يشكل بالنسبة له جزءا رئيسيا من بنية الرواية بشكل عام كبديل للأركان الأخرى التي تحدث عنها في كتابه النقدي مثل. ويشير شاهين الى ان الرواية كتبت في الوقت الذي كانت الحداثة تتشكل على يد مبدعين بارزين كان همهم الانتقال بتقنية الرواية من الواقعية التقليدية الجامدة، ولكن الروائي هنا انفتح على تقنيات الاجناس الأدبية الأخرى من شعر ومسرحية، وخصوصا ما يتمتع به الشعر من توجه نحو التقشف اللغوي وما تتمتع به المسرحية من مسرحة الحدث، حيث تشكل القصة العمود الفقري في الرواية. ولفت الى ان الرواية صدرت في العقد الثاني من القرن العشرين، الذي برز فيه مشاهير الروائيين من أمثال جويس ولورانس وفولكنز وفريجينيا وولف وبرست، مبينا ان هذه الرواية شقت طريقها بتميز وسط كل هذا الزحام وأحرزت نجاحا لم تحرزه أي رواية من روايات الاعلام ذلك الزمن. ويخلص شاهين في إشارة الى ما قاله فورستر في العام 1957، حول الرواية "لم تعد الهند التي تصفها رحلة إلى الهند موجودة، لا من الناحية السياسية ولا من الناحية السوسيولوجية، إذ ان تغيرا كان يحصل حتى في الوقت الذي تزامن فيه ظهور الرواية في العام 1924، كذلك فقد طرأ تغيير كبير على الهند في ربع القرن الذي تلا ظهور الرواية، فهذه الحرب العالمية الثانية التي تنبأ بها بطل الرواية "عزيز"، اذ حصل انفصال الهند عن باكستان، وإلغاء نظام الولايات الهندية وضعف الطبقية والحجاب في الهند وزيادة التصنيع وتقاطع العلاقات الهندية مع أميركا وروسيا التي لم يرد البتة في الرواية".اضافة اعلان