نشنق أنفسنا ونحتفل بذلك

احتفت الحكومة بقرضها الجديد، وكأننا فتحنا روما، أو استعدنا غرناطة، هذا على الرغم من أن دلالات الاقتراض الفعلية سيئة، خصوصا حين نستدين من أجل سداد ديون قديمة، وكأننا نشنق انفسنا، جراء استعصاء الحلول، وجدولة الأزمات. لم يعد العرب يمنحوننا المال نقدا، مثلما كان الحال قبل سنين طويلة، والأسباب وراء ذلك معروفة، ولا بد من قولها صراحة حتى نفهم المستجد في واقعنا. اغلب الدول العربية الثرية التي تمنحنا المال، لديها ملاحظات ومعلومات حول طريقة التصرف بالأموال الممنوحة نقدا في سنين سابقة، وربما وسط قصص الفساد التي تتردد في غير موقع ومكان، وجد هؤلاء أن دفع المال نقدا، لم يعد طريقة مناسبة، لهذا الاعتبار المتعلق بالشفافية، وطريقة الانفاق وصدقيتها. الدول العربية وجدت أن الدفع لمشاريع محددة مسبقا، هو الحل الوحيد لضمان إنفاق الأموال بطريقة صحيحة، تحت رقابة هذه الدول، ومتابعتها لأدق التفاصيل بخصوص هذه المشاريع، وتمويل المشاريع هنا، اقل ضررا على هذه الدول من منح المبالغ نقدا، بحيث تتصرف فيها الحكومات على هواها، ووفقا لرؤيتها. إضافة إلى السبب السابق، فان الدول العربية تغيرت أولوياتها، إذ باتت لديها أولويات داخلية أكثر أهمية من قصص بقية الدول العربية، وتغطية احتياجاتها، خصوصا في ظل النمو الذي تشهده هذه الدول الثرية، وكثرة الاحتياجات، ووجود ضغوطات تتعلق بالتوظيف لمواطنيها وبقية القطاعات. هذا يعني أن الدفع الذي اعتدنا عليه لسنوات طويلة، مبدأ تغير فعليا، حتى لو اعتقد بعضنا أن على هذه الدول أن تواصل الدفع بذريعة أننا نحميها، وهذا اعتقاد سيئ من حيث الدلالة، لأننا لسنا حرس حدود، من جهة، مثلما ان هذه الدول تحمينا أيضا بوسائل مختلفة، لكن المثير انه كلما ضاقت بنا الحال، خرج بيننا من يهدد هذه الدول، ويعتبر ان الدفع لنا، واجب لا مفر منه، والا حديث ما لا يحمد عقباه، من حيث تداعيات ذلك على تلك الدول. هذه الدول الثرية لها علاقات مع عشرات الدول العربية والإسلامية ودول العالم، وكلها تطلب منها دعما ماليا، ولهذا لابد أن نتذكر هنا اننا لسنا وحدنا الذين نقف أمامهم لنطالبهم بالدعم المالي، لكن مطالبتنا لهم تحمل دلالات مؤسفة، مثل التهديد كل يومين بانهيار أمنهم واستقرارهم ما لم يدفعوا، أو التلويح بكون ضعف الأردن وتعرضه لاي أذى سيؤدي إلى انهيارهم بالتوالي. يكتب كثيرون عن أن الأردن غير المستقر يعني تدفق السلاح والمخدرات والتنظيمات المتشددة إلى كل دول الجزيرة العربية، وهذا الكلام في مجمله، يترك أثرا سلبيا لدى مراكز القرار في تلك الدول، ويجعلها أمام تحليلات سلبية لمغزى الكلام الذي ينزلق على ألسن البعض أحيانا. زمن المساعدات النقدية، ولى ولن يعود، لكل الاعتبارات السابقة، وفي أحسن الحالات، قد نجد انفسنا أمام مساعدات مرتبطة بمشاريع محددة ومدروسة، وتحت المتابعة، فلا يجد الأردن في هذه الحالة امامه حلا إلا المزيد من التورط في قروض دولية، من أجل سداد قروض سابقة، وهذا ما شهدناه في زيارة رئيس الوزراء إلى الولايات المتحدة التي عاد منها بقرض قيمته مليار ومائتا مليون دولار، سيتم استخدامه لسداد قروض سابقة. احتفاء الأردن بالقرض الجديد، دليل على العقلية التي تحكمنا، إذ اصبحنا أمام سباق للاقتراض، ويا ليته اقتراض يؤدي إلى إقامة مشاريع، بل اقتراض من اجل سداد القروض، بما يؤشر على أن المشكلة الاقتصادية تتعمق وتتحول إلى مشكلة مزمنة جدا وبنيوية، وسوف تتعاظم من حيث كلفتها الاستراتيجية وتأثيرها على كل الوضع الاقتصادي العام، وهو ما نراه فعليا في الحالة القائمة حاليا. إذا كان العرب لا يدفعون نقدا اليوم، والعالم لا يقدم لنا إلا القروض، فأين هو المستقبل الاقتصادي الواعد في ظل الإجراءات الاقتصادية الحكومية، وانهمار الضرائب التي أدت إلى هذه الحالة من الانجماد والتراجع على كل المستويات؟! كل هذا يأخذنا إلى الاستخلاص الأهم، أي أننا أمام عام صعب للغاية، وأعوام مقبلة أكثر صعوبة، مهما حاول الرسميون، اقناعنا بغير ذلك، فهم يشترون اللحظة فقط، من أجل العبور بأقل الخسائر.اضافة اعلان