نصنع المستقبل أو يُصنع لنا

إقليميا، هناك حقيقة تفسر إلى حد كبير تردد الولايات المتحدة، إدارة وشعبا، في التدخل العسكري في المنطقة. هذه الحقيقة اسمها الحرب على العراق. فقبل قرابة عشر سنوات، أورد الرئيس الأميركي جورج بوش الابن ثلاثة أسباب لتبرير تلك الحرب: تدمير أسلحة الدمار الشامل، وبناء نظام ديمقراطي عن طريق حرب ذاتية التمويل من واردات العراق والمنطقة. ثم ثبت للأميركيين أنه لم تكن هناك أسلحة دمار شامل، وأن النظام الذي بني إنما قام على ديمقراطية منقوصة؛ طائفية هشة، وأن الحرب كلفت دافع الضريبة الأميركي 2000 مليار دولار على الأقل. اضافة اعلان
الموضوع، إذن، لا يتعلق فقط برغبة شخصية للرئيس الأميركي باراك أوباما، بعدم التدخل، ولكن أيضا بوجود رأي عام أميركي عارم ضد أي تدخل عسكري جديد في المنطقة.
لكن من قال إن شعوب المنطقة تريد هذا التدخل؟ يُظهر استطلاعان منفصلان للرأي، أجرتهما مؤسسة جيمس زغبي/ المعهد العربي الأميركي، ومعهد "بيو" في عدة بلدان عربية، بينها الأردن، ونُشرا قبل شهرين، أنه في حين توجد أغلبية كبيرة في هذه البلدان ضد النظام السوري (80 % في الأردن)، إلا أن هناك أيضا أغلبية كبيرة ضد أي نوع من التدخل العسكري الأميركي. وإذا كانت الحال كذلك، فإن التصدي لظاهرة مثل تنظيم "داعش"، هو مسؤولية عربية بامتياز. ومثل هذا التصدي لا يمكن أن ينجح عن طريق تنسيق إقليمي عسكري فقط، وهو مطلوب، ولكن عن طريق معالجة الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أدت إلى ظهور "داعش"، حتى بدا وكأنه يهدد حضارتنا وإنسانيتنا بأكملها.
محليا، يبدو هذا الكلام بعيدا عمليا عن كثيرين ممن يمسكون بعملية صنع القرار لدينا. كل التحديات يُنظر إليها عمليا من خلال المنظور الأمني. أما الأسباب الأخرى، فإننا نسمع عنها كلاما جميلا لا يترجم على أرض الواقع إلى سياسات مستدامة، تعالج أسباب الإحباط الذي تشعر به قطاعات واسعة جدا من الناس، وعلى رأسها قطاع الشباب. وقد بات واضحا أن الإجراءات الإصلاحية الحقيقية انحسرت مع انحسار الاحتجاجات الشعبية؛ فبدت طبقة متنفذة غير مؤمنة ولا حتى مكترثة بالإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي طريق خلاص للبلد، شعارها أنه طالما ليست هناك ضغوطات آنية، فلا داعي للإصلاح، وذلك بدلا من الاستفادة من حالة الهدوء الحالية للمضي قدما بخطى واثقة.
أعجب من بعض التصريحات التي تدّعي أننا تجاوزنا "الربيع العربي" مثلا، في ظل عجز للموازنة العامة أرجعنا إلى مرحلة الثمانينيات، ومعدل دين عام متزايد تجاوز كل الحدود الآمنة، وبطالة في حدود 30 % لدى الشباب! وأعجب أيضا من عدم وجود نية حقيقية لدى كثير من صناع القرار لتطوير حياة نيابية حزبية حقيقية، تؤدي إلى برلمانات قوية تعتمد العمل الجماعي المنظم! تحتاج الأحزاب إلى بيئة تشريعية حاضنة، بقدر ما تحتاج إلى برامج عملية؛ فهل هناك نية لتوفير هذه البيئة بدلا من التشكيك المستمر؟
أشعر أن الفجوة تتسع كل يوم مع المواطن العادي، وبخاصة مع قطاع الشباب الذي يشعر بالتهميش وعدم الاستماع الحقيقي لهمومه، وانعدام فرص العمل. إن كانت هناك استراتيجية سياسية واقتصادية واضحة للتعامل مع هذه التحديات، فأرجو أن تدلّونا عليها. حالة العمى أو التعامي لا يمكن أن تستمر. نصنع المستقبل أو يُصنع لنا.