نصيبنا من الجائحة...

من الناحية الكمية تبدو الأرقام المسجلة لمن اصيبوا بفيروس كورونا وماتوا بسببه قليلة نسبيا إذا ما قورنت بأعداد من اصيبوا بالحروب العالمية والأهلية والأوبئة التي شهدتها وتشهدها البشرية على امتداد مساحة الأرض. في الحرب العالمية الثانية فقدت أوروبا والدول المشاركة في معاركها الملايين من شعوبها وجنودها وفي اقليمنا أدت الحرب العراقية الإيرانية والغزو الأميركي للعراق والحروب الأهلية في العراق وسورية وليبيا واليمن إلى فقدان مئات آلاف الضحايا وإحداث عشرات آلاف الإعاقات.اضافة اعلان
الضحايا التي تسببت بها أوبئة الطاعون والانفلونزا الاسبانية والكوليرا والابولا وغيرها أرقام كبيرة هي الأخرى ويصعب ان نتخيل أن تصل أرقام «كورونا» إلى مستواها. الجديد فيما يحصل بسبب «كورونا» انها تأتي على العالم ونحن في أكثر الحقب التاريخية تقدما ومعرفة فقد وصلت تكنولوجيا الطب إلى أعلى مستوياتها وتمكنت البشرية من ابتداع الحلول لكل المشكلات التي واجهتها وقد تواجهها بثقة واقتدار.
على هذه الخلفية السياسية العلمية التكنولوجية يبدو ظهور فيروس كورونا وانتشاره في البلدان الأكثر تقدما وثراء أمرا مستغربا يكشف عن عجز الأنظمة البحثية والعلمية عن الاستجابة للتحديات الطارئة وتدني قدرة هذه المجتمعات على التكيف مع الأوضاع الطارئة والأحداث التي لم تكن مهيأة لها.
بعد مرور ما يقارب العام على الإصابة الأولى بفيروس كورونا في الصين وانقسام الناس بين مصدق ومشكك بوجود الفيروس وتوالد النظريات حول طبيعته ومصدره واخطاره. وبعدما توالد الخوف لدى الجميع من ان يقعوا ضحايا لمؤامرة عالمية أو لحرب بيولوجية تخوضها الدول العظمى في سياق سعيها للهيمنة على العالم أصبح الوضع مختلفا قليلا.
في مختلف أرجاء المعمورة تعايش الجميع مع فكرة وجود الوباء وتباينت الطرق والأساليب والإجراءات المتبعة في الاستجابة لوجوده والتعامل معه. فمن منهج الإغلاق الكامل الذي لجأت له بعض الأنظمة إلى نهج التعايش مع الوباء والتكيف لوجوده باتخاذ الإجراءات الوقائية والاهتمام بالصحة الشخصية والتعقيم.
مع كل ما حصل وبالرغم من ظهور نماذج متنوعة للاستجابة إلا أن الأرقام والبيانات التي تصدر ساعة بساعة لا تطمئن كثيرا فبالتزامن مع سعي العالم إلى البحث عن مخارج آمنة من هذا المأزق الصحي الذي هيمن على عقول وأفعال وتفكير الساسة وأهل العلم والاقتصاد ما تزال الأرقام المسجلة للإصابات والوفيات تتزايد بمستويات كبيرة في إشارة إلا أن العجز الإنساني مستمر والاستجابة الإنسانية بطيئة.
لقد نالت كل الشعوب والاجناس نصيبها من الوباء وتكبدت الأسر والدول خسائر هائلة في الأرواح والصحة والاقتصاد وتبدى للجميع عجز البشرية عن الوقوف في وجه اخطار غير مرئية وغير معروفة ولا محددة وظهر للجميع أهمية التعاون والتنسيق والعمل الإنساني المشترك لحماية الإنسان والكوكب والحضارة التي ورثناها.
التصريح الذي أدلى به رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في آذار الماضي حول أهمية أن يكون الجميع مستعدا لتقبل فقدان الأحبة والحاجة إلى التعايش مع الوباء كان مستهجنا ومثيرا. اليوم أصبحت الكثير من الدول لا تملك إلا التسليم بالوباء والعمل ما أمكن على الحد من انتشاره والتعامل مع الإصابات بما تتطلبه من عناية بانتظار وصول المطاعيم ووقف تقدم الموت الذي أصبح حقيقة يغزو المدن والقرى والاحياء ويفرض ايقاعه على كل ما يحيط بنا.