نظام ظالم ومعارضة أكثر ظلما

ماهر أبو طير أنظمة عربية كثيرة، تعاني من الضعف والوهن، وسوء الأخلاق السياسية، وهي أنظمة سرقت موارد بلادها، ومارست التعسف، ولم تترك خطيئة إلا ومارستها على مدى سنين عمرها. المفارقة هنا أن المعارضة في داخل بنية هذه الأنظمة، اذا كانت متاحة المعارضة داخليا، او في الخارج، تعاني أيضا من أزماتها، من الانقسام، إلى الصراع على السلطة، وصولا إلى رفض الاخر. الاستعصاء هنا معقد جداً، ولو أخذنا تجربة معارضة النظام السوري الحالي، ومعارضته، والنظام السياسي العراقي قبل عام 2003 وبعده، ومعارضتهما، وتجربة النظام التونسي، ومعارضته، وأنظمة اليمن على مدى عقود، ومعارضتها، وتجربة النظام السوداني ومعارضته، لاكتشفنا في حالات كثيرة، أن لا فرق في النتيجة بين النظام والمعارضة، اذ إن كليهما يعانيان من اشكالات وأزمات بنيوية، تجعل الإنسان العربي، بين خيارين أسوأ من بعضهما البعض. التحليل العميق لا يجوز أن يعمم السوء هنا، حيث أن كل نظام لديه أدواته وطبقاته التي تؤيده حتى بعد سقوطه، من الدولة العميقة، إلى أصحاب المصالح، وبقايا العسكر، ورجال الأعمال، وأبناء القبائل، وغير ذلك من تركيبات تتحكم في بنية هذا البلد أو ذاك، بوجود النظام أو بعد سقوطه، وكأننا أمام قدر لا يمكن الفرار منه ببساطة، إضافة إلى عناصر التدخل الاقليمي والدولي، التي تعبث ببنية أي بلد، وفقا لحساباتها، وتجعل التغيير مكلفا وصعبا جدا. وبالمقابل علينا أن نتأمل أنماط المعارضة في دول مختلفة، ونقرأ تصرفاتها، فهي قابلة لممارسة الدموية والانتقام، أكثر من النظام القائم، بذريعة تصفية الحسابات والتطهير، وفي حالات كثيرة تقوم بتأجير ذاتها وفقا لحسابات أطراف داخلية أو اقليمية أو دولية، كما أنه نادرا ما نجد توافقا بين تشكيلات المعارضة في داخل اي بلد عربي، أو أي معارضة لهذا النظام أو خارجه، وتقيم في الخارج، وتثير الشكوك حول من يديرها أساسا، وماذا ستفعل لو سيطرت؟. هذا لا يعني أولا رخصة لاي نظام قائم بأن يسترخي، ويواصل ذات سياساته، باعتبار ان معارضته أسوأ منه، ولا يعني أيضا، تجريم المعارضة، وتبرئة النظام القائم في كل الأحوال. التجسير بين أي نظام مخلوع والمرحلة التي تليه، فشل فشلا ذريعا في العالم العربي، ولدينا أدلة كثيرة على ذلك، بما يعزز نظرية الموالين لأي نظام، بكون بديلهم هو الجحيم، وهذا يعني انسداد الأفق، واستسلام الناس لحياتهم المثقلة، والصعبة، القائمة على الجور والظلم وغياب العدالة، وهذه أسوأ نظرية أراد خصوم الربيع العربي تثبيتها، من حيث المقارنة بين كلفة النظام ومظالمه، وكلفة المعارضة اذا سقط النظام، خصوصا،حين لا يدافع الناس عن خيارات التغيير. في مرات تظن أن المشكلة بنيوية في قدرة الإنسان العربي على صناعة التغيير، ويزيد المشهد تعقيدا هنا، المعلومات التي تثبت دوما، أن الأنظمة ومعارضاتها تستعين بالأجنبي دائما، ولا تدور معركة التغيير بمعزل عن تدخلات أطراف اقليمية ودولية، بما يجعل امكانات النجاح ضئيلة جدا، خصوصا، حين نضع في الحسابات خرائط الثروات في العالم العربي، وصراع النفوذ على المنطقة، وحسابات الدين والهوية والقومية، والوجود المرتبط باحتلالات سابقة، بقيت لها ذيولها في المنطقة، ولها أيضا أطماعها التي لم تنته بمجرد خروجها العسكري من هذه الدولة أو تلك. حتى اليوم لم تقدم بعض الأنظمة نموذجا مبهرا يبدد أي تأثير للمعارضة بضجيجها أو بصوتها الخافت، مثلما لم تقدم أي معارضة نموذجا يستحق المغامرة واتباعه لتحقيق تغيير ما، واذا كنا نلوم بعض الانظمة على واقع الحال، فاللوم ينصب ايضا على المعارضات الضعيفة، التي تتحول في مرات بندقية للايجار على كتف هذا الطرف او ذاك، أو تفضحها اجنداتها وارتباطاتها، واستحالة ان تكون طرفا بديلا عن نظام ظالم يدرك الناس ظلمه، ولا يستطيعون خلعه، خصوصا، وقد اثبتت تجارب محددة، ان من خلعوا نظاما وحكموا مكانه، كانوا اكثر دموية، وتورطوا بذات خطايا النظام المخلوع، لكن تحت مبررات مختلفة، أبرزها معاقبة السابقين. الخلاصة هنا، ليست التذاكي عبر المساواة بين نظام ظالم، ومعارضة أكثر ظلما، بما يعني حض الناس على السكوت وقبول الأمر الواقع، بل ندعو إلى البحث الفكري العميق في العقل العربي، وعدم قدرته بشكل “كامل وجماعي” على تغيير واقعه، بما يليق بتطلعاته وحقوقه أيضا. المقال السابق للكاتب الغضب ليس حلااضافة اعلان