نظرة شمولية وبعين نحلة

أيامٌ قليلةٌ مرت على الذكرى الأولى للاغلاق الشامل والكبير الذي تم في الاردن بعد أن تم تفعيل قانون الدفاع رقم 13 لسنة 1992 والذي توضح المادة الأولى فيه دواعي العمل بهذا القانون، ومنها انتشار آفة أو وباء.اضافة اعلان
وقد التزم الجميع بقرارات الحظر ومنع التنقل وكانت الجائحة في بدايتها وحجم ونوعية المعلومات المتوفرة للمختصين هي نفسها المتوفرة لعامة الناس. وبعد مضي أكثر من سنة على انتشار الجائحة بدأت الارقام تتغير وتتبدل سلباً - بكل أسف - فازداد عدد حالات الاصابات والوفيات بشكل بدل ترتيبنا من الاول عالمياً في السيطرة على الوباء الى الاول في عدد الاصابات لكل مليون شخص وفي عدد ونسبة الوفيات أيضاً.
ويمكن حصر أهم الاسباب وراء ذلك فيما يلي: أولاً، عدم التزام الناس بمعايير السلامة وخاصة عند حصول مناسبة اجتماعية لفرح أو عزاء، وعدم التزام الناس في أخذ معايير السلامة في التجمعات مهما كان نوعها. وثانياً، تأخر وصول المطاعيم وتردد نسبة كبيرة من الناس في الاقبال على تلقيها. وثالثاً، اعطاء مسألة فتح القطاعات أولوية على حساب الصحة العامة بسبب الضغوطات التي فرضتها بعض الجهات المتضررة من الاغلاق.
الاردن الان على مفترق طرق بين السير على المسار نفسه الذي نحن عليه الان وبين الاغلاق الشامل واعطاء الاولوية للسيطرة مرة أخرى على حالة التسارع في مؤشرات الجائحة.
ونعلم أن المفاضلة أصبحت أقل صعوبة بين الاغلاق الشامل الذي ستكون آثاره سلبية بشكل مؤقت على الاقتصاد ومحاولة السيطرة على الوباء، وذلك نظرا لأنها تتم الآن ليس بالتباعد والاغلاق فقط وانما أيضا بتلقي المطعوم أيا كان نوعه. فبعد أن كنا نحارب الوباء بسلاح الاغلاق والتباعد قبل سنة أصبحنا نحاربه بسلاح جديد آخر وهو التطعيم.
أنا أميل لعملية اغلاق شبه تام لمدة اسبوعين الى ثلاثة أسابيع مع استثناءات لقطاعات الصحة، لاستكمال عملية التطعيم والمعالجات الطارئة، ولقطاعات الزراعة والغذاء والادوية والتعليم وخصوصا أنه بات عن بعد. وأن لا يُسمح بالتجوال إلا لقضاء الحاجات الضرورية وللذين تلقوا المطعوم سواء لجرعة واحدة أو اثنتين مع الاستمرار بالالتزام بمتطلبات السلامة كاملة.
والمطلوب من الناس الالتزام بشدة بموضوع التباعد والاقبال بلا تردد على المطاعيم. التباعد يحميك فقط ما دمت متباعدا ولكن التطعيم والتباعد يحميك ويخفف عليك الاصابة ويقيك – باذن الله – من احتمالية الموت كما يبين لنا المختصون.
لا مجال أمامنا الان الا استخدام كل الاسلحة والادوات المتاحة لمواجهة هذا الوباء الذي لا يرحم. تطبيق اغلاقات واسعة للقطاعات غير الضرورية، وتلقي المطاعيم، وعمل جزئي وتعليم عن بعد. كل ذلك يجب أن يتزامن مع توفير حزمة من الدعم المادي، ولتكن هذه المرة من الخزينة مباشرة عن طريق اصدار سندات تنموية فردية لمدة خمس سنوات تستفيد منها الجهات المتضررة فقط.
أما الامر الاخر الذي يجب التعريج اليه فهو النظر الى الأوضاع بنظرة شمولية واسعة وبعين نحلة كما يقول أحد اصدقائنا. فالنظرة الشمولية تفرض على الناظر رؤية الاشياء الايجابية والسلبية معاً.
ونعلم علم اليقين أن أمورنا الايجابية كثيرة أما السلبية فهي قليلة، وأن نمرن أعيننا لنرى دائما بعين النحلة التي لا يقع نظرها الا على الازهار.
ولنتذكر مثالا واحداً فقط وهو أنه ومنذ انتشار الجائحة قبل أكثر من عام لم تُفقد سلعة ولا خدمة واحدة من السوق وهذه ايجابية كبيرة يجب ان تُسجل للأردن وأن نشكر كل الجهات المعنية عليها. حمى الله الاردن.