نعم.. الحل هو الأمن!

نتفاءل بعد توارد المعلومات والمؤشرات عن وضع الجهات الحكومية والأمنية لملف سرقات المياه من المصادر والشبكات العامة "على النار"، خلال الأيام القليلة الماضية. وهو "انطباع" تشكل بعد اجتماعات متتالية بين مسؤولي وزارة المياه ونظرائهم في وزارة الداخلية والأمن العام، لبحث التصدي لظاهرة الاعتداءات على شبكات المياه. بل ويمكن لنا التخمين أن هذا الملف كان حاضرا خلال زيارة جلالة الملك إلى مديرية الأمن العام الثلاثاء الماضي، والتأكيد الملكي على ضرورة إسناد الأمن العام للمؤسسات والوزارات الأخرى في تأمين الخدمات وتطبيق القانون.اضافة اعلان
لم يتردد مسؤولو وزارة المياه أخيرا، وبعد انفجار أزمة انقطاع المياه عن أحياء ومناطق واسعة في مدن مختلفة، بعضها بات يمكن وصفها بالمنكوبة مائيا كالزرقاء، واندلاع أعمال شغب وعنف وإغلاق طرق احتجاجا على انقطاع المياه، وطلبا لقطرة ماء تسد حاجات آلاف الأسر، نقول لم يتردد مسؤولو وزارة المياه بعد الدخول في هذه الأزمة القاسية "شعبيا وحكوميا وأمنيا"، في "بق البحصة" عبر الصحافة وفي غير منبر، وكشف ملف ظاهرة الاعتداء والسرقات الواسعة للمياه من قبل متنفذين وشخصيات تستقوي على الدولة وحقوق البشر، بدون أن يحرك مسؤول أو جهاز حكومي أو أمني ساكنا، إهمالا أو تواطؤا، أو تجنبا لاستثارة غضب واحتجاج المتنفذ وبعض مناصريه!
الأرقام التي تكشفها تصريحات ومعلومات وزارة المياه في هذا الملف مثيرة للصدمة، وتعكس الخلل الكبير الذي اعتور الأداء الرسمي، والمستوى الذي وصلته ظاهرة التهرب من المسؤولية من قبل مؤسسات ومسؤولين، ما أوصلنا إلى انفجار الأزمة المائية بأقسى صورها، وراكم من معاناة الناس، وهدد، أيضا، بانفجارات أمنية وسياسية مقلقة.
18 % من مياه سلطة المياه المخصصة، أو التي تنتجها مصادر المياه الخاصة بمحافظة الزرقاء المليونية الكبرى، تذهب إلى متنفذين ومزارعين كبار، أو تجار امتهنوا، في غفلة من سيادة القانون، تجارة إعادة بيع مياه السلطة للصهاريج الخاصة، لبيعها بأسعار باهظة للعطشى في الأحياء والمناطق الغارقة في أزمة انقطاع المياه. وليس ببعيد ما كشفناه في "الغد" قبل أيام، من قيام متنفذ بسرقة في وضح النهار لآلاف الأمتار المكعبة من مياه خط رئيس قادم من الجنوب إلى العاصمة وبعض المناطق المحيطة، ليروي بها مزارعه الفارهة ومسبحه، ويجود بما تبقى من مياه للصهاريج الخاصة، كنوع من التجارة المربحة في زمن الكساد وقلة الشغل!
لقد وثّقت الصحافة، وتصريحات وتسريبات وزارة المياه، على مدى الأسابيع القليلة الماضية، حجم المشكلة بوضوح. لكن الأهم من وصف الظاهرة وحجمها وتأثيراتها على الناس، كان ما تسرب من قيام وزارة المياه ومديرياتها، ومنذ أكثر من عام، بمخاطبات رسمية لوزارة الداخلية والحكام الإداريين والجهات المختصة بإنفاذ القانون، لاتخاذ خطوات قانونية وأمنية سريعة لوقف الاعتداءات "الكبيرة" على مصادر وشبكات المياه، إذ يعجز موظفو سلطة المياه "المدنيون" عن اقتحام "أعشاش الدبابير" والمتنفذين الذين يمارسون هذه الاعتداءات في وضح النهار.
نعم، الحل لهذه المشكلة، بل الجريمة، هو القانون، وإنفاذه بدون مهادنة أو تباطؤ. هو حل أمني بداية، مع ضرورة توفير الدعم السياسي والحكومي لهذا الحل، وتغطيته بكل مسؤولية. وهو حل يحتاج أيضا إلى دعم شعبي ومن الرأي العام والعشائر والوجهاء، ويحتاج أيضا إلى دعم أساسي من الحراكات الشعبية والأحزاب والقوى السياسية والإعلام.

[email protected]