نعم.. مواقف حماس تغيّرت

يجب أن تدرك "حماس" أنّها وخصومها يجب أن يتعايشوا ولن يلغي طرف الآخر، ولا بد من وحدتهم إذا كان هناك حد أدنى من الإخلاص للقضية الفلسطينية.  

اضافة اعلان

ينكر كثير من "أنصار" حركة "حماس" أن موقف الحركة من التسوية السياسية قد تغيّر، ويتّهمون بعض من يكتب عن تغير مواقف الحركة، بأنّه لم يقرأ التاريخ، وأنه يقوم مع سابق إصرار وترصد بمواصلة الكتابة كما لو كان قد اكتشف اكتشافا تاريخيا جديدا كلما تحدثت "حماس" عن التسوية، وأن هؤلاء الكتّاب يتجاهلون أنّ "حماس" أعلنت مشروع الهدنة طويلة الأمد منذ ما لا يقل عن 15 عاما، ويتجاهلون أيضا أن "حماس" ماتزال عند موقفها المعارض للاعتراف بإسرائيل. ووصل الأمر بأحد أنصارالحركة من الكتّاب أن يطلب منها أن تصدر بيانا يوضّح مواقفها حتى لا تتهم بأنّها تغيرت. 

ما تطرحه "حماس"، الآن، ليس ما كانت تطرحه منذ أعوام. أو على الأقل هذا ليس ما يدّل عليه ظاهر الكلمات. إذ ما معنى أن يقول رئيس الحكومة المقالة في غزة إسماعيل هنيّة يوم الثلاثاء الفائت إنّه أوضح للرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر، "أننا في الحكومة الفلسطينية إذا كان هناك مشروع حقيقي يهدف إلى حل القضية الفلسطينية على أساس إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967، وبسيادة كاملة وحقوق فلسطينية كاملة، فنحن نرحب بذلك". والمفتاح في هذه الجملة هو كلمة "حل"، فكلمة "حل" تختلف كثيرا عن كلمة "هدنة"، وفي علم إدارة الصراع والعلاقات الدولية فإنّ الهدنة جزء من إدارة الصراع أمّا الحل فهو "إنهاء" للصراع. فحتى إذا وصلت حماس إلى "حل" من دون اعتراف رسمي بإسرائيل (من دون علاقات دبلوماسية) فإنّ هذا لا يلغي أنّ "الحل" أي (التصفية للقضية) تم على أساس الدولتين، وعلى أساس حقّهما بالوجود، وعلى أساس تعايشهما.

على أنّ هنيّة ذهب بعيدا كثيراً، لدرجة أنّ كثيراً ممن يقبلون ومنذ سنوات طويلة بالحل على أساس الدولتين سيعترضون على تنازلاته. فهو قد قال في المؤتمر الصحافي مع كارتر "ندفع باتجاه تحقيق هذا الحلم الوطني الفلسطيني لإقامة الدولة الفلسطينية، وعاصمتها القدس الشرقية المحتلة منذ 67".

والكلمة المثيرة للتحفظ في هذه الجملة هي كلمة "الحلم". فرغم أنّ كثيرين من قيادات منظمة التحرير الفلسطينية، سبق واستخدموا مصطلحات مشابهة، حيث أصبحت الدولة الفلسطينية وتكريس الهوية الوطنية الفلسطينية بالنسبة لكثيرين هي "الحلم"، فإنّ الأكثر دقة وصحة، هو التأكيد أنّ القبول بحل الدولتين هو الحد الأدنى، وهو أقرب لتجرع الدواء المر، وليس بأي حال "الحلم". أو على الأقل يجب أن يشرحوا لنا كيف أصبح هذا الحل هو "الحلم".

تصريحات هنية، وتصريحات قادة "حماس" المشابهة المتواترة مؤخرا، لا يمكن النظر لها إلا باعتبارها جزءا من "استحقاقات" الوساطة التي سعت لها حماس بشدة عبر سلسلة رسائل إلى الإدارة الأميركية، وعبر مقالات صحافية، والتي يقوم بها الآن جيمي كارتر علنًا بين إدارة باراك أوباما وبين "حماس".

أمّا من يطالبون "حماس" أن تعلن موقفا واضحًا، فمطلبهم وقلقهم مفهومان، إذ إنّهم ناصروا "حماس" طويلا على أساس رفض حل الدولتين، وعلى هذا الأساس تم تخوين أطراف فلسطينية أخرى، وربما كان رئيس الحركة خالد مشعل ينوي توضيح مواقف "حماس" في خطابه الذي كان مقررا السبت ثم تم تأجيله.

من الناحية الموضوعية، يبدو مفهوما أيضا، أن لا تطرح الحركة علنا كل ما يمكن أن توافق عليه في مفاوضات مع إسرائيل، (مباشرة أو غير مباشرة)، لأنّ هذا يضعف موقفها التفاوضي، ويجعلها تقدّم تنازلات قبل أن تصبح جزءا من المفاوضات، وفي الوقت ذاته لن تستطيع أن ترفض كل ما كانت ترفضه في الماضي، وإلا لكان هذا إعلان موقف أنّها غير مهتمة بحل سياسي، وهو عكس موقفها الفعلي الراهن.

ولكن "حماس" مطالبة في واقع الأمر ببلورة خطاب جديد، يوضّح للشعب الفلسطيني، كيف ولماذا حدثت هذه التحولات في أفكارها، وأن توضّح كيف ولماذا تعتقد أنّها ستنجح في "جهادها" التفاوضي بينما فشل "خصومها" الفلسطينيون، ثم أيضا يجب أن تدرك "حماس" أنّها وخصومها الفلسطينيين يجب أن يتعايشوا ولن يلغي طرف الآخر، ولا بد من وحدتهم إذا كان هناك حد أدنى من الإخلاص للقضية الفلسطينية.  

[email protected]