نعم.. نستطيع!

ليسامحني الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، والذي غادر البيت الأبيض قبل أسبوع، على استعارة شعاره للحملة الانتخابية الرئاسية. إذ وجدت هذا الشعار مناسباً في مناسبة غير إيجابية، وهي حالة الاقتصاد الأردنيّ.اضافة اعلان
إن تشخيص حالة الاقتصاد الأردني أصبح في متناول الخبراء والمواطنين. وعليه، لن أدخل في سرد المشكلات الاقتصادية؛ لأنها باتت معروفة. لكن ما أريد التحدث عنه هو طريقة أو نمط التفكير السائد في التعامل مع هذه المشكلات المتراكمة، وما إذا كان هناك مجال لطريقة تفكير أخرى. إذاً، سوف أتكلم عن النهج وليس النتائج. وفي النهج، لدينا عدد من المشكلات في إدارة الاقتصاد الوطني تتوارثها الحكومات المتعاقبة، لا بل إنها تراكم عليها، ومن أهمها:
أولاً، غياب التفكير الجمعي للحكومة، أو -إذا جاز التعبير- غياب الرؤية المشتركة للحكومة بطرقها المختلفة؛ ما يؤدي إلى ضعف التصورات الاقتصادية لمعالجة الأمور الحالية والمستقبلية. والنتيجة الرئيسة لهذه المشكلة تبدو أقرب ما تكون إلى إدارة يومية للاقتصاد.
ثانيا، أصبح صندوق النقد الدولي الشريك الاستراتيجي للسياسات الاقتصادية التي اتخذتها وتتخذها الحكومات الأردنية المتعاقبة. بالطبع، لا أعترض على التعاون مع صندوق النقد الدولي، لا بل قد يكون هذا التعاون مفيداً أحياناً، لكن المشكلة في هذه العلاقة الحالية تكمن في بُعدين رئيسين: الأول، أن "الصندوق" مؤسّسة دولية ومالية، فلا تُعنى بشكل عام بالسياسات الاقتصادية التي من المفترض أن تكون مسؤولية الحكومات، ولكنها لا تقوم بها. أما البُعد الثاني، فيرتبط بالحلول التي يقترحها "الصندوق"، وهي -في غالبيتها- مالية ونقدية، وتتجه دائماً نحو إلغاء الدعم عن السلع وزيادة الضرائب والاقتراض. صندوق النقد الدولي لا يعمل على المضي بهذه الاتجاهات، بل الحكومات المتعاقبة.
ثالثاً، الحكومات المتعاقبة تبدو وكأنها تبني موازنتها على سياسة الدعم المالي والاقتراض، وتضعها باعتبارها مصادر لتمويل نفقاتها وبرامجها. وكل الحكومات تعلم أن الاقتراض والمعونات تزيد من اعتمادنا اقتصادياً على الآخرين، وأن هذا الوضع ليس جيداً على المدى البعيد ليتواءم والاقتصاد الأردني. بالرغم من ذلك، فإن الحكومات تُمعن في هذه السياسات على كل الأحوال. وحتى عندما تكون هناك حاجة لسد عجز الموازنة من الداخل، لم تخرج الحكومات المتعاقبة عن اللجوء إلى رفع الأسعار أو زيادة الضرائب، من دون التفكير ببدائل أخرى.
لهذه الأسباب، ومع أخذ الظروف الإقليمية بالاعتبار، لم تستطع الحكومات المتعاقبة حل مشكلة واحدة من المشكلات الاقتصادية، مثل البطالة، والفقر، وغلاء الأسعار، وغيرها من المشكلات؛ لا بل إنها تتفاقم مع مرور الأيام.
والمشكلة الأخطر من الناحية الاقتصادية هي ارتفاع المديونية، وتراجع الدعم المالي أو المعونات المالية من الأصدقاء والإخوة العرب، لأسباب كثيرة. الأمر الذي يفاقم المشكلات الاقتصادية التي نواجهها، ويُضعف القدرة الاقتصادية على الاستدامة. والسؤال المهم هو: هل نستطيع، تدريجياً، التخفيف من الاعتماد على الخارج، وأن نعيد ترتيب الوضع الداخلي بحيث نزيد الاعتماد على أنفسنا أكثر؟
باعتقادي أننا نستطيع التحول من اقتصاد يعتمد على الآخرين إلى اقتصاد يعتمد على الإمكانات والمقدرات الوطنية. وهذه القضية ليست قضية فنية، وإنما هي سياسة ترتبط بشكل مباشر بالرؤية والتطلعات الاقتصادية التي تلبي احتياجات المواطنين، وتبني قدرات وإمكانات الوطن، البشرية منها والطبيعية. والتصور لذلك سيكون موضوع مقالة أخرى.