نقابة المعلمين والصراع المنحرف

ها قد استولى الإخوان المسلمون على نقابة المعلّمين، كما كانوا استولوا على نقابات مهنيّة أُخر من قبل! وإذا ما كان من مبرّر تاريخيّ لدخول السياسيّ في المهنيّ بعد هزيمة 1967 وتجميد البرلمان الأردنيّ حتى العام 1989، فما هو المبرّر اليوم للصّراع على كعكة التّربية والتّعليم؟ سوى أنّ "الإخوان" لا يعنيهم بحال من الأحوال تدهور التّعليم بمقدار ما يعنيهم فرد سلطتهم وفرضها على أهمّ نقابة مهنيّة وأكبرها حجماً! فليست النّقابات مجتمعة بخطورة ما تعنيه هذه النّقابة التي تضمّ الآلاف، والتي بدورها تتحكّم بالملايين أي بستين بالمئة من الشّعب الأردنيّ التي هي فئة الشّباب!اضافة اعلان
ولذا فإنّ الهجوم للاستيلاء على نقابة المعلّمين ليس سوى هجوم سياسيّ مخطّط له في سراديب "الإخوان"، للإمساك بورقة رابحة في مواجهة السلطة! وليس من سرّ أنّ لهذا الاستيلاء دلالاته، وأهمّها الردّ على قانون الانتخاب الذي حجّم وجودهم في البرلمان.
غير أنّ ما يهمنا في هذا السّياق، ليس البعد السياسيّ ومبرّراته التّاريخية، ولكن البعد الأخلاقيّ للمسألة. فنقابة المعلّمين، كما أسلفنا، ليست كمثل أيّ نقابة أخرى؛ ذلك أن التّعليم ليس مهنة فحسب، بل انخراط المعلّمة والمعلّم، وجوديّاً وبجماع الرّوح والجسد، في فعل خلقٍ وصقلٍ وتوجيهٍ لأجيال تقوم على متانة إعدادها الأوطان، ومن دون ذلك تنهار. بمعنى آخر، فإنّ إدخال النّقابة -هذه النّقابة بالذات- في صراع سياسيّ إنّما هو تقويض غير أخلاقيّ لدورها في تحقيق مهنة قويّة وفعّالة.
وسأسأل بضعة أسئلة توضّح كيف يمكن أن تتعارض المصلحة إذ ننوي تغيير هويّة التعليم وبِنيته من تعليم مسطّح متداع (كما هو الحال الآن) إلى تعليم فعال (وهو ما ننادي به منذ عقود!)، بينما فصيل سياسيّ يزعم امتلاكه الحقيقة بتفويض ربّانيّ يرى أنّ نقل التّعليم، هويّةً وبِنيةً، ينبغي أن يتمّ بتحقيق أجندة سياسيّة بالدّرجة الأولى، ولكن بغطاء دينيّ بات مفضوحاً!
وأحد الأسئلة: ماذا سيفعل "الإخوان" بأسئلة التّفكير الحرّ (التي يُفترض عصفُها في المدرسة) والتي من دونها لن يكون علم ولا تقدّم بشريّ؟ وماذا سيفعل "الإخوان" بالفنون، وهي برمّتها تخالف ذائقتهم وما تربّوا عليه من كراهية لها وترفّع عنها؟ وما هو موقف "الإخوان" من الحريّات العامّة والخاصّة ومن حقوق الإنسان في مناهج التّعليم؟ وأية أولويّات للعلم والكفاءة مقابل الأيديولوجيا في اختيار المعلّمة والمعلّم وتأهيلهما؟ وما مصير معلّمة لا تريد حجاباً تُجبر عليه، أو معلّماً يُقاوم حكم قندهار؟ وما هي الرؤى المنحصرة بفهم أحاديّ للدين القادرة على إحداث نهضة تعليميّة وعلميّة؟
أسئلة كثيرة أجاب عنها الواقع في البلدان المحيطة التي وصل فيها "الإخوان" وأشباههم إلى الحكم أو الإكراه السياسيّ، أي التّرهيب بالنصّ وبالتّكفير مقابل الحجّة والعقل!
أيّها "الإخوان"، ارفعوا أيديكم عن نقابة المعلّمين، فهي ليست ساحة لتصفية حساباتكم مع السّلطة، ولا منبراً للوعظ والإرشاد، بل جهاز لتطوير المهنةِ وتلبية طموح العصر والتّغيير!
أما من أمل؟