نقطة تحول

خلال الفترة الماضية تمكن مؤشر البورصة من تحقيق مكاسب تراكمت على مدى الشهر الماضي لتتجاوز نسبتها 7 %.
ثمة شيء يحدث في السوق المالية، فالارتفاع حصل رغم أن الأسهم المهمة والاستراتيجية لم تتحرك بعد، ومنها البوتاس والاتصالات وغيرها، إذ اقتصرت غالبية النشاط على أسهم الشركات متوسطة الحجم.اضافة اعلان
الأسباب التي وقفت خلف تحسن أوضاع المؤشر متعددة، ربما يكون أبرزها مشروع تقسيمات الأسواق في بورصة عمان، والذي صدر في العام 2012، وطبّق فكرة فصل تداول الأسهم على أكثر من سوق، الأولى تضم الأسهم الاستراتيجية القوية وأخرى تشمل الشركات التي تعاني من مشاكل مالية.
العامل الثاني المهم الذي أثّر في اتجاه السوق، يتعلق بشكل كبير بخروج المضاربين الكبار منها، فمنهم من هو في السجن اليوم، وآخرون فروا خارج البلد، وفريق ثالث فضّل الخروج من السوق، حتى لا يفتح على نفسه الباب لبلوغ المصير ذاته.
وخروج المضاربين الكبار، جعل كثيرا من شركات المساهمة العامة تعمل على تصويب الاختلالات لديها؛ كل لأسبابه. إذ خشي البعض فتح ملفاته من قبل هيئة مكافحة الفساد، وخاف آخرون من شكاوى مساهمين يتحدثون عن تجاوزات هنا ومخالفات هناك، وهي كثيرة.
بالمحصلة، أدت هذه الظروف إلى الارتقاء بمستوى الإفصاح والشفافية في إدارة شركات المساهمة العامة، ما خلق نوعا من الثقة بإدارات الشركات، وهي التي كانت مفقودة لفترة طويلة.
وعلى ذكر شركات المساهمة، لعبت النتائج المالية للشركات دورا في إعادة لفت الانتباه للسوق، خصوصا أن كثيرا من الشركات تمكنت خلال العام الماضي من توزيع أرباح نقدية على مساهميها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر؛ البنوك وبعض شركات التأمين، ما عزز الثقة بالسوق المالية كأداة استثمارية آمنة، توفر أرباحا، رغم الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة.
أداء الجهات الرقابية اختلف، إذ صارت أكثر تشددا مع الشركات في تطبيق القانون، وعدم منح الاستثناءات كما كان يتم في الماضي، حيث أدركت هذه الجهات أن دورها الرقابي والقانوني يفرض عليها حماية أموال صغار المستثمرين، لا التواطؤ مع كبارهم. وربما ساهم طول مدة تراجع السوق لسنوات بحالة ملل أصابت البعض ودفعتهم لمحاولة الخروج من الحالة السائدة، والسعي لخلق وضع جديد من خلال محاولات إحياء المؤشر، أملا في تحقيق الربح، الأمر الذي دفع بعض المدّخرين لاستثمار أموالهم من جديد، وشجعهم على الإقدام بهذه الخطوة حالة التحسن التي تشهدها الأسواق المجاورة.
توفُّر السيولة لم يقتصر على مستثمرين محليين، معظمهم من الرواد الجدد للسوق، بل شهدت السوق خلال الفترة الماضية دخول صناديق استثمارية جاءت للمنطقة، وكان للأردن حصة منها، وهذه الصناديق الجديدة سعت لامتلاك أسهم استراتيجية، ما يعني للوهلة الأولى أن نشاط هذه الصناديق ليس مضاربة مؤقتة، بل هو استثمار متوسط أو طويل المدى.
وما من شك أن انخفاض أسعار الأسهم إلى ما دون القيمة الدفترية خلال السنوات الماضية، شجّع البعض على دخول السوق، وحفز المستثمرين على الشراء، ما عكس أجواء ثقة  جديدة لدى المستثمرين، انعكست بالمجمل على مستوى المؤشر.
ما يحدث في البورصة، قد يشكل نقطة تحول حقيقة في أدائها، شريطة تعزيز العوامل التي تدعم الثقة. والتجربة أثبتت أن معظم حالات النمو التي حققها الاقتصاد بدأت في البورصة، وانعكست بعد ذلك على العقار والأراضي، ويلي ذلك سوق التجزئة، وغيرها.
الفرصة مواتية لتحسن أكبر، واستثمارها يتطلب تشريعات مناسبة، وأداء رقابيا شفافا يدعم الشركات النظيفة، ويعزز مواقفها المالية، لعل وعسى أن يتغير الحال بأحسن منه.

[email protected]