"نقل الكلام" وتحريفه.. هواية البعض بإثارة الخلافات و"توتير" العلاقات!

منى أبو حمور عمان- تتحقق "متعة" البعض في نقل الكلام من شخص لآخر، والتفنن بإخراجه عن سياقه الحقيقي، من دون إدراك أو وعي لخطورة هذا الأمر وتسببه بمشكلات كبيرة وقطيعة قد تدوم لسنوات. ربما كلمة قد سمعها هنا أو هناك، قيلت من أحدهم في لحظة غضب أو لأمر ومناسبة ما، لكنها تصل للآخر حكاية مكتملة العناصر، قد لا تشبه الحقيقية بشيء، سوى أنها طريق لبداية الخلاف. كثيرة هي القصص التي سمعها أناس من محبي "نقل الكلام"، ولم يحاولوا التأكد من صاحب الشأن من صدقها أو عدمه، أو أنها حدثت فعلا بتفاصيلها كما قالها الناقل، وبالتالي يتغير شكل العلاقات الإنسانية لأنها خضعت لمن يستمتع بتدميرها. "من يتحدث إليك سيأتي يوما ويتحدث عنك".. هذا ما يغفل عنه الكثير ممن يستمعون إلى من ينقلون الكلام، فالمشكلة ليست فيما يقال بقدر طريقة نقله ووصوله إلى الآخرين. في الغالب تتسبب طريقة نقل الكلام بحدوث خلافات أسرية واجتماعية، وشرخ في علاقات قد يدوم لسنوات، ولعل الصيغة التي ينقل بها الكلام تكون أكثر وقعا وألما من الكلام نفسه على سامعه.

نقل وتحريف

الأربعينية ليلى أحمد لم تكترث للكلام ذاته الذي نُقل لها، بقدر الطريقة والأسلوب الذي تحدثت به زميلتها في العمل التي "تعيد وتزيد" وكأنها تستقصد أن تستفزها، ذلك ما جعلها تستغرب. وتتساءل إن كان كل الكلام الذي وصلها صحيحا أم لا، أم تريد أن تزرع الفتنة بين زميلاتها في العمل. قررت ليلى بعد فترة أن تراجع زميلتها إن كانت فعلا تحدثت عنها بشكل مسيء، لتنصدم أن كل ذلك لم يحصل، والكلمة العادية التي قيلت تم تحريفها بشكل آخر، ذلك جعلها تقاطع من نقلت الكلام لها نهائيا، وتحذير باقي الموظفين. وتسبب طريقة نقل الكلام في خلاف عائلي كبير بين إخوة صالح بعد أن قام أحد أفراد العائلة بنقل وجهة نظر صالح بأحد المواقف التي حدثت داخل المنزل، لكن ما تبين لاحقا أنه نقلها بشكل "مبالغ به" وزاد على الحديث عبارات لم تقل بالأصل. يقول أحد الإخوة "طريقة نقل الكلام من شقيقنا تسببت بمشكلة كبيرة ودامت القطيعة بيننا وبين صالح، ومن دون حتى أن نستمع اليه والتأكد إن كان فعلا تحدث هكذا أم لا". الطريقة التي ينقل بها الكلام والغاية من نقله تتسببان في كثير من الأحيان بإنهاء علاقات أسرية وعاطفية وإنسانية يندم عليها أصحابها بعد فترة من الوقت، ولكن حينها قد يكون الندم غير مجد. وتسببت طريقة نقل الحديث الذي دار بين عبير ونساء من العائلة "بحسن نية" على حد تعبيرها نقلته إحدى النساء اللواتي شاركنها الحديث بطلاقها بعد زواج استمر عشر سنوات. انتقاد عبير طريقة تعامل "حماتها" لها في إحدى المناسبات تسبب بطلاقها، إذ إن الطريقة التي وصل الكلام به لبيت أهل زوجها أثار غضبهم وجنونهم، ما أخرج الموضوع عن السيطرة وتسبب بإنهاء زواجها. ونقل الكلام بين الناس آفة اجتماعية خطيرة، ودليل على مرض نفسي يعانيه بعض الأشخاص ممن يتصرفون هكذا، بحسب اختصاصي علم الاجتماع الأسري مفيد سرحان الذي يبين أهمية المحافظة على العلاقات بعيدا عن الإساءة للآخرين بالفعل أو القول.

ناقل الكلام..عدم استقرار نفسي وسعي لجلب الانتباه

ويبين اختصاصي علم النفس الدكتور موسى مطارنة، أن الأشخاص الذين ينقلون الكلام يعانون مشاكل نفسية وحالة من عدم الاستقرار والضعف، وتدني قيمة الذات، والرغبة فقط بجلب الانتباه. ويعتبر مطارنة هذا السلوك من أسوأ العادات وله آثار اجتماعية سيئة وكبيرة ويثير الفتن ويُحدث مشكلات كبيرة لأن الإنسان المستقر الطبيعي ليس من خصائصه هذه الصفات. "نقل الكلام يعد إساءة ائتمان.. فإذا ائتمنك شخص على كلام ونقلته فأنت إنسان غير مؤتمن"، إذ إن البعض لديه "هواية" بل "هوس" نقل الكلام، وهو يتفنن في ذلك "ويتطوع" بالزيادة عليه أو الاجتزاء منه أو تحريفه. وينوه مطارنة إلى أن هؤلاء في الأغلب يركزون على الكلام الذي يزعج الآخرين، ويستخدمون وسائل التهويل والتضخيم بدوافع متعددة، وبغض النظر عنها، أكانت بدافع الحقد أو الحسد أو الغيرة، أو حتى الجهل بخطورة نقل الكلام للآخر. فإن من يختبر هكذا مواقف عليه أن يتأكد ولا يصدق كل ما يقال أمامه، لكي لا يرتكب خطأ بحق نفسه وبحق الآخرين، وفق مطارنة. وعلى الأشخاص عند سماع أي كلام عدم تصديقه، بحسب مطارنة، إنما الابتعاد عن هؤلاء لأنهم يتسببون بشرخ كبير في العلاقات الاجتماعية والإنسانية. بعض الناس، بحسب سرحان، يبذلون مجهوداً في الحصول على الأخبار والمعلومات حتى يحققوا رغبتهم في نقلها، وتحقيق "متعة" نقل الكلام والخصوصيات من دون إدراك عواقب الأمور. وحول خطورة نقل الكلام، فإنه يزرع روح الحقد والكراهية بين الناس، وفق سرحان، وتوتير العلاقات داخل العائلة أو بين الأصدقاء والزملاء، والتنافر والاختلاف والتباعد. وأحيانا الخصام والقطيعة، ما يتسبب في إضعاف الروابط والتماسك الاجتماعي.

البحث عن المتعة

"الاستمتاع" بنقل الكلام وإفساد العلاقات يشير إلى ضعف ثقة الناقل بنفسه، وهو مرض وخلل نفسي يجب التخلص منه، فقد يكون نقل الكلام دون إدراك للآثار السلبية وعواقب هذه الأفعال. وهو ما يستوجب تنبيه هذا الشخص إلى خطورة ونتائج أفعاله، وأن ما يقوم به فعل مرفوض اجتماعياً، وسلوك خاطئ يتنافى مع الأخلاق والقيم الأصيلة، وفق سرحان. "الأصل أن يزن الإنسان كلامه، وأن يفكر في عواقبه قبل أن ينطق به، فالكلمة لها أثر كبير"، وقد ينقل شخصا الكلام بهدف التقرب من شخص آخر، سواء كان مسؤولاً أو قريباً، وهذا أيضا تزلف ونفاق اجتماعي، يقلل من قيمة صاحبه، بحسب سرحان. وحتى يواجه المجتمع مثل هذه الآفات، يرى سرحان أنه ينبغي "تجاهل" ما يقوله ناقلو الكلام، لأن "من تستمع له قد ينقل عنك للآخرين"؛ فـ"من يثرثر لك سوف يثرثر عليك". والمسؤولية أيضا في التحقق من صدق ما ينقل من كلام، وذلك بالتواصل المباشر مع ذوي العلاقة، والأهم "أن نتعلم كيف نتحدث معا وليس الحديث عن بعضنا بعضا"، وبالتالي قطع الطريق على مثيري الفتنة.اضافة اعلان