نمطان للمقاومة المسلحة في الضفة الغربية.. سيناريو جديد؟

أحمد جميل عزم على مدى الأعوام الأخيرة عادَت المُقاومَة المسلحة، وتحديداً إطلاق النار على الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه في فلسطين للانتشار. في البدء كانت العمليات فردية، وما يزال النمط الفردي قائما ليجسّد النوع الأول من المقاومة المسلحة الموجودة حالياً في الضفة الغربية، بما فيها القدس. ومنذ خريف العام 2021، برزت ظاهرة المجموعات المسلحة في فلسطين، خصوصاً في جنين، وانضمت لها نابلس لاحقاً، مطلع 2022، عبر مجموعة (عرين الأسود)، ثم انتشرت الظاهرة، لتشكل النمط الثاني. هناك سؤال يفرض نفسه، هو: هل يتطور نمط يدمج بين النمطين، بنمط مختلط؟ ويبرر هذا التساؤل اتساع الاستهداف الإسرائيلي الدّموي للمجموعات، وتمكن الاحتلال في مناسبات عدّة من القيام بقتل جماعي للمجموعات. لفهم نمط “المجموعات” يجب الانطلاق من سياقات وجودها، فهي تأتي لأنّ الاحتلال موجودٌ وهناك توسع في الاستيطان وهناك حالة اعتداء يومية على الفلسطينيين؛ من اقتحامات، وهدم بيوت، واعتقالات، وقتل، ولا يوجد أي قوة أو آلية تقاوم أو تُدّفع الإسرائيليين الثمن، بكلمات أخرى، فرض دخول الإسرائيليين اليومي للمدن والقرى والمخيمات الفلسطينية على “الشباب” أخذ زمام المبادرة. لذلك جاء تشكيل وحدات ومجموعات واسعة الأعداد نسبيا تقوم بالدرجة الأولى بالتصدي للاقتحامات الإسرائيلية والسعي للرد على النار بالمثل، هذه المجموعات أشبه بقوات دفاع أهلية، تحاول أحياناً الخروج من مستوى التصدي للاقتحامات إلى استهداف المستوطنين والجنود في مفارق الطرق الخارجية وقرب المستوطنات. النمط الفردي للمقاومة، يتواجد حالياً في القدس بشكل خاص، ولكنه خرج كذلك من جنين وطولكرم والخليل وغيرها في حالات أخرى، حيث يذهب الفدائيون للمستوطنين والإسرائيليين في معاقلهم وتستهدفهم، وهو رد هجومي على العدوان الإسرائيلي، ومن الأمثلة العملية الأخيرة على هذا النمط، عمليّات خيري علقم وعدي التميمي في القدس. حققت المجموعات المسلحة المنظّمة حضورا كبيرا، وها هي الاجتماعات الدولية تعقد للتعامل مع هذه “الظاهرة”، وبات هناك في وقت قياسي عدد غير هيّن من التغطيات الإعلامية للمجموعات، وحتى أغان بمستوى حرفي، وكتابات صحفية وأدبية لافتة، وتظاهرات جماهيرية في الشوارع الفلسطينية، تعكس الاحتضان الشعبي. بمراجعة موضوعية لا تقلل من جسارة المقاومين، يتضح استغلال إسرائيل جماعيّة الفعل لدى المجموعات المسلّحة، ومحاولتها تشكيل بنية شبه منظّمة تستخدم الإعلام والاستعراضات العسكرية وتصدر البيانات السياسية والنضالية للشعب، لتحويلها إلى نقطة ضعف يستغلونها من خلال الذهاب إلى الفدائيين في عرينهم، كما حدث في مخيم جنين ونابلس، وأريحا، وتصفيتهم. تصبح أسماء قيادات المجموعات وعناصرها، مع الوقت، علنّية، وتتجلى العلنية على نحو صادم أحياناً بأنّ الأسماء والأماكن تصبح معروفة من خلال تسجيلات في وسائل التواصل الاجتماعي. وهذا ما يوضح مشهد قوات المستعربين المتسللين على شكل رجال دعوة ونساء منقبات في نابلس، لقتل المجموعات في أماكن استقرّت فيها. في المقابل تُظهِر عَمَليّات الأفراد القُدرة على البقاء في المواجهة وقت طويل نسبياً، مثل عدي التميمي الذي ظل مطارداً وقتاً طويلاً نسبيّاً دون وسائل اتصال في القدس لحين استشهاده في عملية ثانية، وفي عام 2019 استمر أشرف نعالوه مطارداً بعد تنفيذ عملية المنطقة الصناعية في بركان، مدّة شهرين، وشكّل ضياء حمارشة في جنين، قبل نحو العام حالة مفاجئة في عمليته في تل أبيب، وسميّ بالفدائي الصامت. وهكذا يصبح السؤال، هل ينشأ نمط يدمج النمطين؟. أي أن تتحول المجموعات للعمل السري التام، بعيداً عن التجمع في مكان واحد، أو استعراضات عسكرية (على أهميتها)، أو استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن بحيث لا يكون العمل فرديا، بل عمليات مخططة متكررة، بحيث يمكن مثلاً أن يتحول العرين وغيره لتنظيم سري تحت الأرض، له اسم معروف لكن ليس على شكل مجموعات مطاردة بشكل جماعي، في أماكن محددة. هل يمكن توقع أنّ يفرض هذا الشكل نفسه؟ الانتقال لهذا السيناريو له متطلبات من ضمنها استراتيجية للتعامل مع وسائل الاتصال والتواصل التي تصبح نقطة ضعف كبيرة، وثانيها تعزيز الفعل الشعبي المدني للتصدي للاقتحامات الإسرائيلية، مقابل تركيز العمل المسلح على تدفيع الثمن، فالمقاومة شبه النظامية في حالة الاحتلال الإسرائيلي قد يسهل استهدافها، والمجموعات السرية استهدافها أصعب. المقال السابق للكاتب “حرب الرقائق” بين الصين والولايات المتحدةاضافة اعلان