نهاية إدارة ترامب؟

جورج كاستانيدا*

مكسيكو سيتي- بدأت نظرة العالم إلى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تتغير نحو الأسوأ. والواقع أن حالة الفوضى والمجادلات التي أحاطت بالفترة القصيرة التي أمضاها ترامب في منصبه حتى الآن كانت كافية لتعميق الشكوك، سواء داخل أو خارج الولايات المتحدة، حول ما إذا كانت رئاسته ستستمر إلى نهاية ولايته الأولى لأربع سنوات.اضافة اعلان
وقد أعربت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن منظور أوروبا بأكبر قدر من الوضوح. فبعد قمة منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) الجدلية واجتماع مجموعة الدول السبع الكبرى الصاخب المتنافر، خلصت إلى أنه لم يعد يمكن النظر إلى الولايات المتحدة، في عهد ترامب، باعتبارها شريكاً جديراً بالثقة. وقالت بوضوح شديد: "انتهى العصر الذي كنا فيه قادرين على الاعتماد بشكل كامل على آخرين".
كانت تصريحات ميركل مدفوعة جزئياً بالخلاف بين ترامب وأوروبا بشأن تغير المناخ، والتجارة، وحلف شمال الأطلسي (وخاصة المادة الخامسة، وفقرتها الخاصة بالدفاع الجماعي التي رفض ترامب التصديق عليها)، والعلاقات مع روسيا. لكن الخلاف حول مثل هذه القضايا يعكس انقسامات داخل إدارة ترامب نفسها، مما يثير التساؤلات حول من هو القائم على المسؤولية حقاً، إن كان هناك أي قائم عليها أساساً.
هنا، لنتأمل القرار الذي اتخذه ترامب بسحب الولايات المتحدة من اتفاق باريس للمناخ. كان الذي دعا إلى اتخاذ هذه الخطوة هو ستيف بانون، كبير الخبراء الاستراتيجيين في إدارة ترامب، وكاتب خطاباته ستيفن ميلر. لكن وزير الخارجية رِيكس تيلرسون، فضلاً عن إيفانكا ابنة ترامب، وصهره جاريد كوشنر -وكل منهما يشغل منصب مستشار رسمي في البيت الأبيض- ربما لم يؤيدوا الانسحاب من الاتفاق، على الرغم من دفاع تيلرسون في المناسبات العامة عن قرار رئيسه.
وتمثل التجارة قضية أخرى متنازعاً عليها داخلياً. إذ يعارض بانون النظام الحالي القائم على الانفتاح العالمي، كما يعارضه بيتر نافارو، الذي يتولى رئاسة مجلس التجارة الوطني في البيت الأبيض. ويؤيد وزير التجارة ويلبر روس فكرة التجارة المفتوحة، وإنما ليس من دون تحفظات. وعلى نحو مماثل، يفضل الممثل التجاري الأميركي روبرت لايتهايزر المفاوضات الصعبة على الانقطاع، ولو أنه في تشاحن مع روس.
أما عن حلف شمال الأطلسي وروسيا، فقد ردد تيلرسون تصريحات ترامب الخاصة بالضغط على الأعضاء الأوروبيين في التحالف لزيادة إنفاقهم الدفاعي. ولكنه اتخذ أيضاً موقفاً أكثر تشدداً من موقف ترامب في التعامل مع روسيا، فدعا إلى اتخاذ الولايات المتحدة وأوروبا نهجاً أكثر قوة ووحدة ضدها. وفي حين يتفق مستشار الأمن القومي ه. ر. ماكماستر مع تيلرسون من الناحية النظرية، فقد بدأت المعارك على النفوذ بين الرجلين بالفعل -اتباعاً لتقليد عريق.
أثار هذا الاقتتال الداخلي المخاوف في أماكن أبعد من أوروبا. فكما أخبرني أحد وزراء خارجية أميركا اللاتينية مؤخراً، فإن "من الواضح أن الجميع يقاتلون الجميع على كل شيء". ولك أن تضيف إلى ذلك التحقيق الجاري في العلاقة بين حملة ترامب وروسيا، فضلاً عن انخفاض معدلات شعبية الإدارة بشدة، فيصبح من السهل أن نفهم لماذا يتساءل الكثيرون عما إذا كان يترتب عليهم أن يكلفوا أنفسهم عناء التعامل مع ترامب على الإطلاق. وقد أرجأ الرئيس المكسيكي إنريكي بينيا نييتو الاجتماع مع ترامب إلى أجل غير مسمى، كما اتجهت دول أخرى إلى تعليق العلاقات مع الولايات المتحدة.
الآن، بعد أن أصبحت نهاية رئاسة ترامب في وقت مبكر أقرب احتمالاً بمرور كل يوم، يستحق الأمر أن نسأل أنفسنا عن كيف قد يتحقق ذلك. هناك احتمالات ثلاثة.
المسار الأول والأشهر، هو المحاكمة أمام الكونغرس: حيث يوجه غالبية أعضاء مجلس النواب إلى ترامب الاتهام بارتكاب "جرائم عليا وجنح"، ثم يُدان بأغلبية الثلثين في مجلس الشيوخ، ويُعزل من السلطة. غير أن مثل هذه النتيجة -التي يتطلب التوصل إليها تأييد 20 نائباً جمهورياً في مجلس النواب، بالإضافة إلى 18 عضواً جمهورياً في مجلس الشيوخ، فضلاً عن أصوات كل الديمقراطيين في المجلسين- تظل غير مرجحة إلى حد كبير. ولكن كل شيء قد يتغير إذا كشفت التحقيقات في محاولات روسيا التأثير على انتخابات العام 2016 واحتمال التواطؤ مع حملة ترامب عن حقائق وأدلة دامغة.
يتطلب الخيار الثاني، وفقاً للقسم الرابع من التعديل الخامس والعشرين للدستور، إعلان نائب الرئيس ومجلس الوزراء أو الكونغرس أن الرئيس "عاجز عن أداء صلاحيات وواجبات منصبه". ويبدو هذا المسار أقل ترجيحاً من العزل، ما لم تُشِر بعض سلوكيات ترامب -مثل تغريداته في منتصف الليل أو الهجمات المتبجحة في جلسات خاصة على مساعديه (وآخرهم النائب العام جيف سيسيونس)- بوضوح إلى خلل عصبي أو مرض نفسي.
أما الخيار الثالث، والذي أطلق عليه بعض المراقبين وصف "حل نيكسونيان"، فهو الأكثر إثارة للاهتمام. ففي العام 1974، استقال الرئيس ريتشارد نيكسون قبل أن يصوت الكونغرس لتوجيه الاتهام إليه وعزله. وبعد أسابيع، منحه خليفته جيرالد فورد عفواً كاملاً وغير مشروط عن كل الجرائم المحتملة.
في حالة ترامب، يمكن تحفيز الاستقالة بفعل الرغبة في الحصول على عفو مماثل. وعلى الرغم من عدم إمكانية توجيه الاتهام إلى ترامب بارتكاب جرائم جنائية أثناء توليه منصبه رئيساً للولايات المتحدة، فمن الممكن محاكمته بسبب سلوكيات غير قانونية بعد مغادرته لمنصبه.
علاوة على ذلك، ربما يخضع كل من كوشنر، الذي اتهم بمحاولة إنشاء قناة خلفية لتأمين الاتصال بين البيت الأبيض والكرملين، وإيفانكا، للمحاكمة إذا ثبت تورطهما في اتصالات أو أنشطة غير مشروعة مع عملاء أو مسؤولين روس. وربما يُتَّهَم ابنا ترامب الأكبر، اللذان يديران إمبراطوريته التجارية، بارتكاب جرائم. وإذا أصبح هذا التهديد بارزاً، فربما يفضل ترامب الاستقالة وتأمين العفو عن كل المتورطين، بدلاً من تحمل عملية الاتهام والعزل التي ربما تنتهي إلى خسارته للرئاسة على أي حال.
ولكن، في حين أن خصوم ترامب ربما يرغبون في إزالته من السلطة، فقد يكون أي من هذه السيناريوهات ضاراً بالولايات المتحدة وبقية العالَم. ذلك أن المشاركة الأميركية، إن لم يكن الزعامة الأميركية، لا غنى عنها للتعاون الدولي في مجالات مثل التجارة العالمية، وتغير المناخ، والاستجابات لأشكال الأزمات كافة، سواء كانت طبيعية، أو إنسانية، أو نووية. وعلاوة على ذلك، لا تعني نزعة ترامب الانعزالية أن الولايات المتحدة أصبحت غير مهمة أو سلبية؛ وربما تكون أميركا المشتتة أو المعطلة أسوأ بكثير.
في ضوء كل هذا، ينبغي على معارضي ترامب في الداخل أن يتوخوا الحذر عندما يتمنون شيئاً، وينبغي لحلفاء أميركا أن يسعوا إلى إيجاد طريقة للتعامل مع إدارته بقدر أكبر من الفعالية. وسوءا شئنا أو أبينا، فإن أفضل خيار للعالَم هو ضمان نجاح السنوات الثلاث ونصف السنة القادمة قدر الإمكان -أو على الأقل خلوها من الكوارث.

*كان وزير خارجية المكسيك (2000–2003)، بعد انضمامه إلى خصمه الأيديولوجي الرئيس فيسنتي فوكس لتشكيل أول حكومة ديمقراطية في البلاد. وهو الآن أستاذ عالمي متميز للسياسة ودراسات أميركا اللاتينية والكاريبي في جامعة نيويورك.
*خاص بـ"الغد"، بالتعاون مع "بروجيكت سنديكيت".