نهاية الأردن تقترب

الأردنيون بشتى أطيافهم، بنخبهم وعامتهم، على هذه الحال منذ عقود؛ كلما لاحت في الأفق مبادرة أو محاولة لحل النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، يرتفع منسوب القلق عندهم، وينتابهم الخوف من تسوية على حسابهم وحساب دولتهم. ويصل الأمر ببعض منهم إلى القول: "خلصت، الأردن روّح".اضافة اعلان
ومع كثرة المبادرات وجولات المفاوضات وزيارات المبعوثين والوزراء الأجانب، الأميركيون منهم على وجه التحديد، للمنطقة خلال سنوات الصراع الطويلة، صار القلق "مركباً جينياً" على حد وصف أحدهم، يتوارثونه جيلا بعد جيل.
حالة القلق المزمن أفضت إلى قناعة عند أجيال من السياسيين الأردنيين مفادها أن استمرار النزاع مع إسرائيل يصب في مصلحة الأردن، على اعتبار أن الحل أو التسوية يعنيان نهاية الكيان الأردني. لقد استقرت هذه النظرية بالفعل في السنوات الماضية، وأصبحت بحكم المسلمات بالنسبة لعدد غير قليل من رجال الدولة والمعارضة.
وتستند تلك النظرية إلى قول مفاده أن الأردن كيان وظيفي، ينتهي دوره ووجوده بانتهاء القضية الفلسطينية. وفي عمر الدولة الأردنية الذي تجاوز التسعين عاما، كان هناك من"بشّرنا" بقرب النهاية أكثر من عشر مرات خلال العقود التسعة.
لكن، وكما ترون، لم تغب الدولة الأردنية عن الوجود، لا بل إنها اليوم، وعلى حد وصف دبلوماسيين غربيين، الدولة الأكثر استقرارا بين جيرانها، والمرشحة للعب دور أكبر في استعادة الاستقرار لدول المنطقة.
القلق الذي تحول إلى هاجس مؤرق، صار مع مرور الوقت تعبيرا عن حالة اضطراب تجمع الموقف ونقيضه. فحين يقترب الحل نشعر بالخوف، وعندما تفشل جولة من جولات المفاوضات، يقول بعضنا إن النهاية اقتربت؛ الأردن سيدفع الثمن!
أصبح لزاما على الأردنيين أن يغادروا حالة القلق المرضي هذه، وأن يتصرفوا بثقة أكبر حيال مستقبلهم ووطنهم. الأردن دولة نهائية، ولن تكون كيانا عابرا.
يتحدث البعض عن قضية اللاجئين الفلسطينيين وكأنهم وصلوا للتو، وفي طريقهم لاستلام السلطة وطرد الأردنيين خارج ديارهم. اللاجئون في الأردن منذ خمسة عقود؛ لنتذكر هذه البديهية، وما يزالون حتى اليوم متمسكين بحقهم في فلسطين، رغم ما يحوزون من حقوق مواطنة. ويعيش بيننا اليوم أكثر من مليون فلسطيني بهويتهم الفلسطينية، ولم يتخلوا عنها رغم كل السنين.
مثلما الأردن حقيقة نهائية، فلسطين حقيقة نهائية أيضا. وسيأتي اليوم الذي تقوم فيه دولة الشعب الفلسطيني المستقلة. سيعود إليها كثير من الفلسطينيين، لكن سيبقى بيننا الكثير منهم؛ مواطنون بكامل حقوق المواطنة.
ليس صحيحا الاعتقاد السائد بأن الأردن بعيد عن المفاوضات. دوائر صنع القرار "الضيقة" في الدولة تعرف أدق التفاصيل. جميع الأطراف المنخرطة في المناقشات تزودها بالتطورات بعد كل جولة مفاوضات؛ وزير الخارجية الأميركي جون كيري كان في عمان أول من أمس، والرئيس الفلسطيني محمود عباس اليوم. وخلف الكواليس ما هو أهم.
الأردن في الغرفة وليس على الطاولة. لكنه مع ذلك يملك الحق في قول "لا" أو "نعم"، بالاستناد إلى سلة معايير سياسية وقانونية لا يمكن تجاوزها.
ليس مؤكدا بعدُ، نجاح وزير الخارجية الأميركي في تجاوز العقبات المزروعة في طريقه، والوصول إلى خطة سلام مقترحة على الجانبين. لكن سواء نجح كيري أو أخفق -وهذا اعتقاد سائد- فلا مبرر أبدا للتطيُّر. في الحالتين الأردن لن يختفي عن الخريطة، ولن يبدل هويته.

[email protected]

fahed_khitan@