نهاية "نظرية أردنية"!

لم تكد تسريبات إعلامية إسرائيلية مقصودة تظهر للعلن عن استعداد إسرائيل لاستبدال السفيرة الإسرائيلية في الأردن، عينات شلاين، (التي يرفض الأردن عودتها منذ حادثة قتل مواطنين أردنيين بالسفارة تموز الماضي على يد رجل الأمن الإسرائيلي) حتى سرّب مصدر رسمي أردني إلى وكالة أنباء دولية وصحف محلية ردّاً مباشراً صارماً بأنّه "لا فتح للسفارة الإسرائيلية قبل محاكمة قاتل الأردنيين". اضافة اعلان
السفارة ليست مغلقة رسمياً، لكن واقعياً هي كذلك، والتسريب الإسرائيلي هو محاولة التفاف إسرائيلية على الشروط الأردنية الثلاثة (تغيير السفيرة، اعتذار عمّا حدث خلال حادثة السفارة وما بعدها، إجراءات واضحة قانونية لمحاكمة رجل الأمن الإسرائيلي- القاتل). ومن الواضح أنّ الرد الأردني هو إجابة على التسريبات، وعلى عملية الالتفاف الجارية.
هنالك مكابرة من قبل حكومة نتنياهو في موضوع العلاقة مع الأردن، وابتزاز واضح وعلني، ليس فقط على خلفية حادثة السفارة والموقف الأردني منها، بل في الإصرار الأردني على وضع القضية الفلسطينية على سلّم الأولويات في المنطقة، من زاوية، وتبنّي الأردن حماية المقدسات والوقوف في وجه تهويد القدس من زاوية أخرى.
عملية الابتزاز وصلت للتحريض علناً على الأردن، من قبل صحف إسرائيلية، تأليب الأوساط الأميركية على مواقفه، واستثمار اللوبي الصهيوني النافذ في إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في أكثر من جهة، من ضمنها تعزيز "القنوات الخلفية" العلاقات الإسرائيلية- الخليجية (غير المعلنة) من خلال الإعلان عن تحالف إقليمي برعاية أميركا في مواجهة إيران في المنطقة، ما سيكون – بالضرورة- على حساب القضية الفلسطينية والفلسطينيين!
مع ذلك، يتمسك الموقف الأردني بصلابته في مواجهة إسرائيل، ويصرّ "المصدر الرسمي" على شروطنا في موضوع السفارة، ونؤكّد على خطورة إعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل، ونؤكّد على خطوطنا الحمراء في موضوع التسوية، وفي مقدمتها رفض وضع خيار الكونفدرالية (الأردنية- الفلسطينية) على الطاولة ابتداءً، وعدم قبول مناقشته أصلاً، حتى لو كانت مجرد "أفكار" يحملها مسؤولون أميركيون!
الموقف الأردني وتسريبات المصدر الرسمي الأردني لا تمثّل ردّاً على التسريبات الإسرائيلية فقط، بل أكثر من ذلك هي قطع للطريق على نخبة سياسية أردنية "تتذاكى" بالقول بأنّنا نحن المتضررون من شروطنا الصارمة في موضوع السفارة الإسرائيلية، وبأنّنا نحن الذين علقنا على الشجرة، ونحتاج إلى سلّم وليست إسرائيل، وبالتالي هذا العرض الإسرائيلي يوفّر فرصة "لنا"، وفق هذه النخبة للنزول عن الشجرة، والخروج من "المأزق".
بالطبع هذه "النظرية النخبوية" الأردنية مبنية على جملة من الفرضيات التاريخية، التي تقوم في جلّها على منطق أنّ البعد الإسرائيلي الإقليمي يخدم مفهوم الدور الأردني، ومهم للأمن الوطني الأردني، وهي نظرية ليست صحيحة ولا دقيقة، وإذا كان هنالك ما يفسّر رواجها لدى نخبة أردنية، خلال عقود ماضية، فإنّها منتهية الصلاحية اليوم تماماً!
ما تزال هذه النخبة أسيرة فكرة عدم استقرار الأردن وارتهان وجوده بدور المنطقة العازلة أو كجسر للتسوية السلمية، وبمناخات سادت خلال حقبات سابقة، ومع أنّ بنية الفرضيات التي قامت عليها النظرية غير صحيحة، ابتداءً، فإنّها اليوم تبدو من مخلّفات عقلية نخبوية لا تقرأ ما يحدث في المنطقة وفي العالم من حولنا!
الأردن، اليوم، دولة قوية متماسكة، أكثر من أي وقت مضى، ومن أغلب الدول العربية، لا تحتاج إلى "شفاعة" عربية أو إسرائيلية، وموقفنا من موضوع السفارة يدخل في صلب الأمن الوطني والسيادة والكرامة الوطنية، وليس محلّاً للمساومة والتلاعب أو التذاكي!