نهب أموال الأردنيين

5.7 مليار دينار إجمالي الاقتراض الحكومي من صندوق استثمار أموال الضمان، لم يكن ينقص رئيسة الصندوق خلود السقاف إلا أن تقول بأنها تشعر بالفخر على "هذا الإنجاز"، خلال مقابلتها على قناة رؤيا السبت الماضي!!اضافة اعلان
الصندوق، الذي تأسس في العام 2003 كمؤسسة مستقلة لـ"تنفيع" بعضهم وتوظيف عشرات الأشخاص الفائضين عن الحاجة، والذين يزدحم بهم السلم الوظيفي وبألقابهم الموزعة على مديري ورؤساء أقسام وخبراء ومستشارين، وموظفين عاديين، لا يكتفي بهذا النهب لأموالنا، بل يقفز إلى الأمام خطوات كبيرة، فيعمد إلى "تمكين" الحكومات المتعاقبة من هذه الأموال من خلال اقتراض جائر، يهدد الصندوق الذي يعد الأكبر أردنياً بموجودات بلغت 10.7 مليار دينار - هذا إن بقيت تلك الموجودات على حالها!!
نصف موجودات الصندوق يتم الاستثمار فيها بجهة واحدة، هذا الأمر، بالتأكيد أثار مخاوف الأردنيين. لكن الأهم، إذا كان نصف الموجودات عبارة عن دخول في مزادات البنك المركزي، فما حاجتنا إلى أكثر من مائة موظف ينهبون أموالنا! ألا تفي مديرية عادية داخل مؤسسة الضمان بهذا الغرض، لماذا يتوجب أن يمارس هؤلاء الموظفون البطالة بامتيازات فاخرة على حسابنا؟!
وزراء عمل عديدون شرحوا آلية اختيار الاستثمارات في الصندوق، لكنهم لم يتحدثوا ولا مرة عن تغول الحكومات التي وضعت يدها على هذه الأموال، لكي تستخدمها في التوسع بالنفقات الجارية، بينما لا نرى حتى الآن رغبة منها بخفض تلك النفقات لمصلحة الإنفاق الرأسمالي، وهو ما كنا قد نسامح فيه، حتى حين يقتربون من أموالنا في هذا الصندوق. لكن الأمر الخطير الذي لا يود الوزراء تذكيرنا به هو قرار الديوان الخاص بتفسير القوانين، والذي منح استقلالية للصندوق في اتخاذ القرارات الاستثمارية، وبمعزل عن مجلس إدارة مؤسسة الضمان الاجتماعي الذي كف القرار يده عن الشأن الاستثماري.
الصندوق، لم يستطع العام الحالي تحقيق أرباح لافتة، فبموجوداته الكبيرة حقق 442 مليون دينار، وهو الرقم الذي لم تفلح السقاف بالتعبير عنه، حين قالت اي ما نسبته 4.13 ٪ وهي نسبة غير كافية، كون العقل الذي يدير هذا الصندوق كلاسيكيا ولم يستطع مغادرة الصندوق، بل لجأ إلى "تجميد" السيولة بواسطة استثمارات في "الأصول الجامدة"، من أراض وعقارات وغيرها.
ورغم أن رئيسة الصندوق "نحتت" مصطلحا عبقريا جديدا في علم الاقتصاد لم نسمع به من قبل، وهو "أرباح عوائد الصندوق"، إلا أننا نسأل: هل هذه الـ442 مليونا هي أرباح أم عوائد أم دخل، وهل هي أرباح حقيقية أم أرباح تقييم، وهل هي ناتجة عن كفاءة إدارة الاستثمار، أم هي نمو طبيعي في قيمة الاصول؟!
حتى اليوم، لم يلجأ الصندوق إلى التفكير بإنشاء استثمارات تنموية حقيقية يستطيع من خلالها توظيف موجوداته بما يسهم في زيادة الناتج المحلي الاجمالي ونسبة النمو، لتحقيق عوائد حقيقية لموجوداته وللدولة.
صحيح أن أيّ صندوق استثماري لا بد أن ينوع من استثماراته من أجل خفض نسب المخاطر، ولكن هذا التنويع لا يدخل فيه أبداً "التورط" باستثمارات عديدة أجبرته عليها الحكومات، ومني الصندوق فيها بخسائر كبيرة.
ورغم محدودية نمو الأرباح للعام الحالي، إلا أن ذلك لم يمنع الإدارة الحصيفة للصندوق من أن تمنح الحكومة اقتراضا بقيمة 500 مليون، بصرف النظر عن التسمية التي أراد إطلاقها على هذا الاقتراض من خلال التوضيح الذي خرج به بعد مقابلة السقاف التلفزيونية!!
اللافت أن المقابلة التي جاءت ركيكة في مضمونها وأرقامها، لم يستطع التوضيح الذي خرج به الصندوق بعدها أن يسهم في تحسينها، فقد أربك المشهد هو الآخر، وسؤالنا المهم هنا: إذا كان هذا الصندوق الذي يدير لنا أموالنا، لا يستطيع إصدار بيان صحفي قصير واضح يطمئن الأردنيين على أموالهم، فما الذي يفعله جميع من فيه من الجهابذة؟
إذا أردنا لأموالنا أن تكون من أمان، فيجب إنهاء عمل الصندوق، ودمجه مع مؤسسة الضمان الاجتماعي بما يحفظ الحقوق المكتسبة للموظفين، خصوصاً أولئك الذين أتت بهم كفاءاتهم، لا أولئك الذين يمتلكون "كوتات" ترتبط بأسماء عائلاتهم. والأهم، أن تتشكل لجنة داخلية تقيّم الفرص الاستثمارية، ودرجات المخاطرة، وأن يصبح عملها شفافا، لا أن تديره كما لو أنها تدير مزرعة لأحدهم!