نهج البلادة

النخبُ السياسية في بلادنا ينطبق عليها المثل القائل "لا ترحم ولا تترك رحمة الله تنزل". فهي في معظم الأحوال تشكو وتتذمر من الوضع القائم، ولا ترحم في نقدها حين يبادر غيرها إلى خطوة في مجال العمل العام؛ فلا ترحمه شتما وتبخيسا، وتشكيكا في الدوافع والأهداف.اضافة اعلان
ثمة حرص كبير من هؤلاء على رسم صورة سوداء؛ يكرهون رؤية ولو نقطة بيضاء، أو بصيص أمل.
عندما أطلق مجموعة من الناشطين في الحركة الإسلامية مبادرة "زمزم"، كان المحسوبون على الدولة أول من يهاجمها. لائحة الاتهام جاهزة لقادتها؛ فهم ببساطة يغازلون الدولة ويطمحون إلى مواقع رسمية. وكأن هؤلاء المنتقدين هم مقاتلون مغاوير في الجبال من أجل الحرية والديمقراطية، ناسين أو متناسين عن عمد أنهم من صلب الدولة حتى الأمس القريب.
وحين أسس النائب مصطفى حمارنة، مع عدد من النواب، "المبادرة النيابية"، وبدأت نشاطها بسلسلة من ورش العمل والاجتماعات مع كبار المسؤولين، وتحديدا مع الملك، استشاطت  نخبة محسوبة على الدولة غضبا. وصارت الفكرة "المبادرة" مادة للتندر والسخرية في أمسيات النخب."مصطفى ما إنتو عارفينو"، كان هذا ما يقال عن المبادرة وصاحب الدعوة لها".
ربما تكون هناك ملاحظات جوهرية على برنامج "المبادرة النيابية" وطروحاتها، وهناك بالفعل ملاحظات نقدية. لكن ذلك آخر ما تفكر فيه النخب وهي تشن حملة ضارية ضد "المبادرة". كل ما في الأمر أن طبقة من السياسيين والمسؤولين السابقين لم يرق لهم أن تحظى فكرة جديدة باهتمام الملك والحكومة. المطلوب أن يظل واقع الحياة السياسية والنيابية على حاله "دوشرة"، وسباقا محموما بين الأشخاص لا بين البرامج.
وأطرف ما في الهجوم على "المبادرة النيابية" القول إنها تعمل لخدمة حكومة د. عبدالله النسور، وتلعب دور حكومة الظل؛ وإن قادتها البارزين يطمحون إلى حقائب وزارية. من يقول هذا الكلام كان بالأمس القريب رئيسا للوزراء، وهو مستعد لكسب دعم النواب بأي ثمن، أو وزير"استموت" من أجل الظفر بكرسي في الحكومة، أو نائب سابق منح الثقة لحكومات مقابل بضع وظائف من الفئة الرابعة. ومن بين الغاضبين من تقدم مرات ومرات بموعد في "الديوان" ولم ينله، فصب جام غضبه على "مصطفى".
يدخل يساري مثل خالد الكلالدة الحكومة، فيصبح شيطانا! هل كنتم شياطين عندما دخلتم حكومات بعضها يعود لزمن الأحكام العرفية، واليوم غدوتم مناضلين؟!
بالمناسبة، على كل المستويات الاجتماعية، يواجه أصحاب المبادرات التطوعية والخيرية تشكيكا في جهودهم. وفي كل محافظات ومدن المملكة، هناك عشرات المبادرات الصغيرة في مجالات عديدة، يعمل أصحابها تحت القصف الاجتماعي المتواصل.
نحن لا نرحم بعضنا بجد؛ فمن لا يعمل لا يريد أن يرى غيره يجتهد بفكرة أو محاولة. ثمة شعور بالبلادة يسيطر على نخبنا السياسية والاجتماعية. وحين يرمي أحدهم حجرا في بركة المجتمع الراكدة، ننتفض في وجهه.
الرد على هذا الواقع هو بالتفكير في تأسيس جبهة متحدة لأصحاب المبادرات في البلاد، أو إطار تنسيقي بينهم، يضم ممثلين عن مختلف الهيئات التي تعمل في مختلف المجالات؛ يتبادلون الخبرات، ويخلقون الروابط العملية والميدانية، ويتقاسمون المهمات. لعلنا نكرس نهجا جديدا في العمل العام، في مواجهة نهج "البلادة" السائد.

[email protected]

fahed_khitan@