نواب وحكومة.. وبعدهما الطوفان!

غريب أمر السادة النواب! وبصورة أدق، أغلبية النواب ومركز الثقل في المجلس، الذين يشعر المتابع لحراكاتهم و"معاركهم" مع الحكومة وبعض الوزارات، في بعض القضايا، أنهم منبتون عن واقع الناس، وغير مكترثين بكل ما يدور في الشارع وبين النخب، بل وحتى في الأوساط الرسمية، من مطالبات بإصلاح الحياة السياسية والنيابية، ولا بمعالجة أزمات التعليم والتعليم العالي والصحة، وغيرها من قطاعات أو أزمات! اضافة اعلان
قد يكون عدم الاكتراث بملفات الإصلاح من قبل الأغلبية النيابية، هو الأقل ضررا وسلبية، لو توقف الأمر عند ذلك. لكن المثير للحنق والاستهجان، هو عدم تردد هذه الأغلبية النيابية في التصدي، بشراسة، لمحاولات إصلاح بعض القطاعات، أو في المطالبة بمكتسبات ما للنائب، أو تنفيعات لهذه الدائرة الانتخابية أو تلك، بعيدا عن الشفافية والعدالة.
المثال الحديث والأبرز عن موقف الأغلبية النيابية، هو الموقف من إصلاح التعليم العالي. فبعد الهجوم الصارخ على قرارات مجلس التعليم العالي برفع معدلات القبول في الجامعات الرسمية والخاصة، وإلغائها عمليا، كشّر النواب أيضا عن أنيابهم السياسية مع الحكومة في قصة إعادة ترتيب وتنظيم قبولات المدارس "الأقل حظا" ومكرمة العشائر، إلى أن وصلنا إلى مطالبة هذه الأغلبية، وبصورة مفاجئة نهاية الأسبوع الماضي، رئيس الوزراء د.عبدالله النسور، بالتراجع عن قرار سابق للتعليم العالي، باشتراط معدل 85 % على الأقل لدراسة الطب في الخارج. فهؤلاء النواب -كما يبدو- غير معنيين بأن يعود للبلد أطباء من جامعات "الواق واق"، بعد أن قبلتهم بمعدلات 70 % أو أقل حتى!      
ومن باب المضحك المبكي أيضا، أن النواب الذين التقوا الأسبوع الماضي بالحكومة لبحث أزمة نقص الكوادر الطبية في القطاع الصحي العام، لم يترددوا لحظة وهم يطالبون الحكومة بتعديل نظام التأمين الصحي، وشمول النواب والأعيان السابقين، كما الحاليين، واللاحقين أيضا، بالتأمين الصحي، فيما لم يفتهم الضغط على الحكومة لتحسين إقامة النواب ومنتفعيهم بالتأمين، في المستشفيات الخاصة. د.النسور لم يجد أمامه إلا الوعد بدراسة هذا الطلب النيابي، الذي لم أستطع تفسير علاقته ببحث أزمة المواطنين مع نقص الكوادر الطبية بالقطاع العام! ناهيك عن الكلف المالية التي سيرتبها مثل هذا التعديل على خزينة الدولة.
وقبل أيام فقط، رفضت الأغلبية ذاتها توجه وزارة التربية والتعليم بتجميع مدارس صغيرة ومتناثرة، لصالح الاهتمام بتطوير المدارس المجمعة، رغم أن هذا التوجه توصية "إصلاحية" من مؤتمر التطوير التربوي الأخير.
قد لا يحتج أحد على حق النواب، والأغلبية، في طرح رؤاهم ومطالبهم حتى وإن اختلف معهم فيها العديدون. لكن المثير للحنق والاستهجان، هو الاستشراس من قبل هذه الأغلبية في فرض أجندتها غير الإصلاحية، وسعيها إلى مصادرة صلاحيات مجلس التعليم العالي وبعض المؤسسات والوزارات، في قضايا يبين فيها "الخيط الأبيض من الأسود" إصلاحيا، ولا تخفى فيها الدوافع الانتخابية، أو الخاصة، بصورة واضحة.
الأسوأ من موقف الأغلبية النيابية في هذه المحطات هو موقف الحكومة، التي لم تحتمل "غلوة" نقد وطخ نيابية، حتى سلمت وتراجعت، كما في قرار رفع معدلات القبول الجامعي، وهو ما نخشى أن ينطبق أيضا على قرار دراسة الطب في الخارج ومعدل الـ85 %، وأيضا توسيع مظلة وكلفة التأمين الصحي للنواب والأعيان. فالحكومة، التي تضع لنفسها هدفا استراتيجيا -كما يبدو- يتمثل في بقائها أطول فترة ممكنة في "الدوار الرابع"، غير معنية بالدفاع عن بعض التوجهات والقرارات الإصلاحية، وتختار الرضوخ سريعا، ولسان حالها يقول "أنا.. ومن بعدي الطوفان"!
والطوفان هنا قد يأخذ بعدها مصالح عامة، وحقوقا لعموم الأردنيين، ويبقي على الخراب والأزمات في قطاعات مختلفة. والأخطر أنه سيكرس الصورة السلبية تجاه مؤسسات الدولة والسلطتين التشريعية والتنفيذية، ويعزز فقدان الثقة الشعبية بها.
اللهم ارحمنا من الطوفان!