نوح القضاة: وجه التوسط والاعتدال

عين جنة التي أنجبت أكبر فقهاء ومحدثي دمشق في القرن الثامن عشر، وهو الشيخ اسماعيل العجلوني الجراحي صاحب الدرس الأعلى منزلة بين الدروس تحت قبة النسر بجامع بني أمية، لم تنقطع صلتها مع دمشق، وظلت متصلة حتى اواسط الخمسينيات من القرن العشرين. آنذاك، في العام 1953، وفي سيرة مشابهة للشيخ العجلوني، يمم الشيخ نوح سليمان القضاة وجهه نحو دمشق، مواصلا بذلك السيرة المشرفة لفقهاء عجلون ومحدثيها في دمشق.

اضافة اعلان

في طفولته بعين جنا تتلمذ الشيخ نوح على يد والده المعني بالفقه الشافعي، لكن دمشق التي كانت قبلة العجلونيين في علم الحديث، كما كانت القاهرة قبلة لعدد من علماء جنوب الأردن في العصور الاسلامية. ظلت هاجسا له، هناك حيث روح العلم والمدينة الإسلامية، قرأ نوح اورد الصوفية التي أخذ منها في مجلس الشيخ محمد الهاشمي الورد اليومي في الطريقة الشاذلية.

سيرة نوح القضاة الفقيه والمفتي والشيخ المعمم، بقدر ما تقدم صورة فقيه الدولة ووجه الاعتدال فيها، إلا أنها قد لا تكون كذلك عند خصومه او من يرون في آرائه الفقهية مسحة تشدد. لكن الثابت أن الرجل لم يخلط علمه وفقهه في السياسة أو المال وكان له ذلك لو أراد، لكنه اشترى دنياه بعلمه.

حفظ نوح القضاة المسافة جيدا بين كونه عالما للناس، وبين كونه مفتيا وفقيها للجيش العربي ثم للدولة، كان يختلف مع عقل الساسة بعدالة، وكانت له مواقفه في كل ما يريده السياسي من الفقهي، فقيه وإن وجد البعض في موقفه من سيداو او استثمار اموال الناس وجهة نظر مخالفة. إلا أنه ظل مؤمنا بأن تشريعات الدولة لا تقيّف او تخاط على مقاس السياسة ودعاة الحقوق الدولية للمرأة التي تنافي التقاليد والشرع، وكذا رأيه في مال الناس والدولة، فموقفه هو موقف الفقهاء الذين يرون أن الدولة والسلطة لا تجزآن ولا تفككان حسب هوى السياسة، وذلك كي لا يطرقها الخلل. وهنا بدا رافضا لتحليل الاتجار بالبورصات الوهمية.

نوح القضاة الرجل الذي ظل سمحا ووفيا لفقهه وعلمه، يعالج اليوم خارج البلاد برعاية من الملك، وهو يستحق الرعاية؛ لأنه حفظ للفتوى في البلد وجه الاعتدال، ولم يسمح لعلل السياسة أن تطرقها، اوجد في الجيش ثقافة التوسط بين الأمور وشكل فيه رافدا فقهيا، وكان من مؤسسي دائرة الافتاء العسكري بعد ان عمل مع الشيخ عبد الله العزب، وقد القى عليها ظلال المؤسسية والانضباط والحق بكل كتيبة او وحدة ضابط من الافتاء ليضمن للجيش ان يظل مؤمنا إيمان العقل.

سيرته العلمية في دمشق، ومن ثم دراسته في الازهر وبعدها في جامعة محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، تذكر بالعلماء الجوالين الذين كانوا يلاحقون العلم في حواضر الإسلام، والثابت عنه ان محبب سواء عند الخصوم أو الأصدقاء، فيه هيبة العلم وقلب الطفل ووجه الفقيه المطمئن الصالح، فسلام الله عليك أيها الشيخ وأعادك الله سالما معافى.