هؤلاء هم شباب الأردن

سجلت مجموعة من شباب منشية بني حسن، نهاية الأسبوع الماضي، نموذجا فريدا في العمل العام، والعطاء والتطوع. إذ ليس من السهل توفير 420 وحدة دم خلال ساعات، ضمن مكان واحد؛ فهو رقم قياسي بالنسبة للأردنيين، يعبر عن روح المبادرة التي تمكن من خلالها هؤلاء الشباب من الانخراط في فريق واحد لخدمة قيمة عليا.اضافة اعلان
جل المتبرعين من الشباب، لكن معهم عددا من كبار السن. كما لم تغب النساء عن هذا الجهد التطوعي النوعي. فيما شملت المشاركة عددا من رجال الأمن والدفاع المدني والدرك. ومما لفت الانتباه كذلك في هذه الروح التطوعية العالية التي سرت يوم الجمعة الماضية في أوصال محافظة المفرق، أن المقعدين أيضا كانوا ضمن قوائم المتبرعين.
وكان هؤلاء الشباب قد نفذوا أيضا خلال السنوات الأربع الماضية حملات لتوزيع الحقائب المدرسية، وتنظيف القبور. وأقاموا بطولات رياضية كان لها أثر إيجابي في المناطق التي يسكنونها.
وبعيدا عن هذه المجموعة، لكن بالروح الإيجابية ذاتها، قامت لجنة من شباب القطرانة مؤخرا بإصلاح الطريق الصحراوي القريب من مناطق سكناهم، بعد تردي الشارع المليء بحفر تسببت بحوادث كثيرة. وإذ لم تزودهم وزارة الأشغال العامة بالخلطات الإسفلتية لصيانة الطريق، فقاموا بمبادرات ذاتية بتوفير اللازم لهذا العمل التطوعي.
وفي موازاة ذلك أيضا، ثمة طلبة جامعيون شعروا بأنين الفقراء خارج أسوار صروحهم العلمية، فقدموا لهم يد المعونة. كما نجح طلبة آخرون في رسم نماذج إيجابية في صميم المصلحة الاجتماعية والاقتصادية، عبر تنفيذ مبادرات للسلامة المهنية والصحة البيئية وترشيد الاستهلاك، وسواها من القيم الداعمة للاقتصاد والمجتمع. وفي ظل اقتصاد متباطئ، تبرز قيمة الأعمال التطوعية بوصفها روافع للخدمة العامة ومساندة الاقتصاد، باتجاه تحقيق نجاحات في مجالات عدة، وبأقل قدر من الأخطاء.
بصراحة، هؤلاء هم شباب الأردن ورجاله لمستقبل يشع نورا، وليس أولئك الذين يختالون بأسلحتهم مطلقين النار بقصد التفاخر والانغماس في تقاليد تنطوي على جرائم بحق آخرين لا ذنب لهم. ويحق لنا أن نفتخر بشباب منشية بني حسن والقطرانة وغيرهم، ممن أسسوا للعمل ضمن فريق واحد خدمة لمصلحة الآخرين، في بلداتهم ومحافظاتهم. كما يجب أن لا نصمت حيال الشباب الذي ينشر الرعب والعنف في الجامعات بدوافع مشوهة، لا تمت بصلة لتاريخنا وثقافتنا وحضارتنا، وقبل ذلك للحظة الراهنة بكل ما فيها من تسامح وتعاضد.
إعلاء قيمة التطوع مسؤولية جماعية، تبدأ من العائلة ومؤسسات التعليم ودور العبادة، وتمتد أكثر لتتحمل هذه المسؤولية الشركات والمؤسسات الاقتصادية، عبر ترسيخ برامج المسؤولية الاجتماعية، وقبلها التطوع بما يربط الفرد بمحيطه الاجتماعي، ويربط أيضا مؤسسات المال والتجارة بمجتمعاتها، وينهي الغربة بين الطرفين. فلا يعقل أن تسجل الشركات أرباحا كبيرة، بينما تتناثر مشاهد الفقر والتهميش والجهل من حولها.
في بلد أكثر من نصف سكانه من الشباب، يصبح للعمل التطوعي مردود كبير ومباشر على صعيد المصلحة الاقتصادية الأوسع للدولة والأفراد؛ بحيث يتم استغلال الطاقات الإيجابية البناءة في هؤلاء الشباب للمنفعة العامة، ويتم -في المقابل- تحييد وتغييب العنف والطاقة السلبية الهدامة التي تعود بالضرر البالغ على المجتمع. فثمة قيم ذات صلة بالتركيبة الاجتماعية، بقديمها وجديدها، يجب دعمها ونشر نماذجها، منها التضحية والعطاء وخدمة الغير. وعلى الطرف الآخر هناك أمراض تتصل بالسلبية و"الأنا" المتورمة والتعصب القبلي واتخاذ العنف سبيلا للحسم، يجب التخلص منها حتى يتمكن الجميع من تأسيس مجتمع قوي بمضامين اقتصادية رائدة.