هافيل: من السياسة إلى الثقافة

ولد الكاتب المسرحي فاتسلاف هافيل في براغ بتشيكيا عام 1936، وعرضت مسرحيته الأولى "حفل الحديقة" عام 1963، وهو يسخر فيها من النظام الشيوعي الشمولي، لذلك منع من ممارسة عمله في الكتابة، فاضطر للعمل عاملا يدويا في أحد المصانع.

اضافة اعلان

وقد انتخب رئيسا لجمهورية تشيكوسلوفاكيا عام 1989 بعد انهيار الشيوعية، وبعد تقسيم تشيكوسلوفاكيا انتخب رئيسا لجمهورية التشيك عام 1993 ثم أعيد انتخابه عام 1998 وفي عام 2003 تقاعد عن العمل السياسي، وقد منح تسع شهادات دكتوراه فخرية.

وقد وصفت مجلة نيويورك تايمز للكتب خطبته التي ألقاها عام 2002 بأنها وداع للسياسة وعودة إلى الثقافة. ويقول فيها إنه بعد هذه السنوات التي أمضاها رئيسا بعد مرحلة من النضال ضد الاستبداد "لم تعطني تجربة الرئاسة ثقة بالنفس، بل أصبحت أقل ثقة بنفسي، وأعاني من رهبة الجماهير وأخاف أن لا أكون جديرا بموقعي هذا، أو أن أقع في أخطاء جسيمة".

ويفسر ذلك بأنه مع تقدمه في السن أصبح أكثر نضجا واكتسب خبرة وفكرا أعمق، وبدأ يفهم تدريجيا مقدار مسؤوليته والالتزامات الغريبة المصاحبة للعمل الذي قبل به، فيقول "مع اقتراب الوقت بلا رحمة من اللحظة التي لا يقوم فيها العالم والناس وضميري بسؤالي عن أهدافي ومبادئي وماذا أريد أن أحقق ولكنهم يسألون ماذا حققت بالفعل، وماذا أريد أن يكون ميراثي السياسي، وما طبيعة العالم الذي سأتركه خلفي، وهكذا أجد الاضطراب الروحي والفكري نفسه الذي أجبرني على تحدي النظام الشمولي ودخول السجن يتسبب في أن تكون عندي شكوك قوية في قيمة عملي الذاتي أو إنجازات الأشخاص الذين عينتهم وجعلت لهم نفوذا".

وينتهي هافيل في خطبته الجميلة التي هي عبارة عن مقطوعة فنية رائعة إلى القول: "لكي نسير في طريق العقل والسلام والعدل نحتاج إلى كثير من التأمل والمعرفة، وأن نسمع أصوات الشعراء التحذيرية بعناية وجدية، ربما بجدية أكبر من أصحاب البنوك وسماسرة الأسهم، ولكن في الوقت نفسه يجب ألا نتوقع أن العالم عندما يحكمه الشعراء سوف يتحول إلى قصيدة".

يعتقد هافيل أن الإنسانية في مرحلتها الحالية لكي  تنجو وتتجنب كوارث جديدة فإن النظام السياسي العالمي يجب أن يصاحبه احترام صادق ومتبادل بين جميع الحضارات والثقافات والدول، وأن تصاحبه جهود صادقة من الجميع للبحث عن والعثور على المبادئ الأخلاقية الأساسية المشتركة، وبالتالي مزجها في قواعد عامة تحكم تعايشهم في هذا العالم الوثيق الاتصال.

ويجب مواجهة الشر في مهده، ويجب استعمال القوة إذا لم يكن هناك خيار آخر، وإذا كان لا بد من استعمال الأسلحة المتطورة والمكلفة جدا فيجب أن تستعمل بطريقة لا تضر بالسكان المدنيين، وإذا كان ذلك غير ممكن فإن المليارات التي صرفت على هذه الأسلحة تكون قد ضاعت هدرا.

ويقول إذا فحصنا كل المشاكل التي تواجه العالم اليوم سواء أكانت اقتصادية أم اجتماعية أم بيئية أم حضارية فإننا سوف نواجه شئنا أم أبينا إشكالية تتعلق بالعمل الواجب اتخاذه: أهو مناسب ومسؤول من وجهة النظر العالمية البعيدة، أم لا؟ ولكن للإجابة عن هذا السؤال، لا بد من مراعاة المحاور الأساسية والعالمية التالية: النظام الأخلاقي، وحقوق الإنسان، والضمير الإنساني، والفكر المنبثق عن هذه المحاور والذي لا يمكن إخفاؤه خلف ستار من الكلمات المنمقة والنبيلة.

هافيل في شغله بالثقافة والأدب وفي سجنه واعتقاله ثم في توليه الرئاسة ثم في انسحابه منها وهو في قمة مجده يقدم للمجتمعات العربية والإسلامية نموذجا يجدونه في تراثهم ولكنه لا وجود له اليوم، ويجب ألا نلوم لدينا رؤساء الدول فقط، فالتمسك بالسلطة يكاد يكون سمة المجتمعات العربية على جميع المستويات.

[email protected]