هاني الرفوع يخط "قراءات في سيرة ومسيرة الرعيل الأول.. عمر العناني"

عزيزة علي

عمان- ضمن إصدارات مئوية الدولة الأردنية، صدر عن وزارة الثقافة، كتاب بعنوان "قراءات في سيرة ومسيرة الرعيل الأول.. عمر العناني (1928-1933)"، للدكتور هاني حمود الرفوع، يتناول فيه سيرة حياة المعلم والمناضل العناني.اضافة اعلان
في بداية الكتاب، يقدم الرفوع تعريفا بعمر العناني المولود في قرية حلحول- قضاء الخليل، فلسطين، في العام 1905، وأكمل فيها تعليمه الابتدائي، وواصل تعليمه الثانوي في مدينة الخليل، ثم تخصص في مجال اللغة العربية في كلية المعارف في مدينة القدس، لمدة سنتين دراسيتين، وتخرج فيها في العام 1927، ليمارس مهنة التعليم بداية في الأردن، وفي العام 1928، انتدب للتعليم في شرقي الأردني في بلدة المزار/الكرك، وتنقل للعمل في بلدات عديدة في جنوب الأردن (بصيرة، وادي موسى، والشوبك).
وفي العام 1933، عاد العناني لفلسطين ليعمل في حقل التربية والتعليم، وعمل مديرًا لمدرسة (سعير) الابتدائية في قرية سعير من قرى الخليل، وتنقل بين بلدات عدة من الخليل، كما شارك العناني المتطوعين والثوار في فلسطين للقتال ضد المستوطنات "كفار عصيون"، وكان منزله في حلحول أثناء النكبة في العام 1948، مأوى للثوار واللاجئين وملتقى المثقفين للدفاع عن حق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال، ثم عاد إلى حلحول، وعمل معلمًا في مدارس مدينة الخليل حتى عقد السبعينيات من القرن الماضي، وفي العام 1984، اضطر للسفر والعيش في الولايات المتحدة الأميركية هو وأسرته.
يرى الرفوع، في مقدمته للكتاب، أن المذكرات مرجع مهم، عادة ما تكون مهمة لأنها تؤرخ لحقبة تاريخية وزمنية حساسة من تاريخ الأمم، فكيف إذا كانت مذكرات معلم أمثال عمر العناني مثقفًا ومحاربًا قادمًا من فلسطين ليمارس مهنة المتاعب؛ التدريس، في مرحلة حساسة من تاريخ الإمارة، حيث يخيم شبح الجهل، والأمية، والفقر، والمرض؛ في منطقة ملتهبة من مناطق بلاد الشام، زمن الانتداب البريطاني؛ سلطة القهر، والفرقة، والكراهية، والكيل بمكيالين.
ويقول المؤلف، إن العناني نهج نهجًا متميزًا في تدوين مذكراته، وكان حريصًا على نقل الواقع على حقيقته، بعيدًا عن قواعد النقد والصناعة الأدبية، لتأتي تعبيرا عفويا صادقا يصور واقعا في ربوع الأردن لفترة زمنية امتدت ست سنوات "1928-1933"، بما فيها من خير وشر، وملامح صمت، وضعف، وحزن، وفرح، وخلجات نفس، ومقاومة، ورفض.
وينوه الرفوع إلى أن العناني يبرر هذا الأسلوب الذي انتهجه في الكتابة، بقوله: "هذه اليوميات أو هذه الصور الإنسانية الحية، أرجو أن تأخذ بالروح التي أملتها في إطار الواقع زمانًا ومكانًا، وهي ليست مذكرات يسجلها صاحبها ليدل بها على الناس، أو ليدافع بها عن مواقفه أو مواقف الآخرين، وإنما هي لوحة التقطها أثناء عمله بين الأهل والعشيرة، وأرجو مخلصًا أن تثير في نفس القارئ ما أثارته في نفسي من إيمان بالحقيقة القائلة (إن أول عمل مخلص هادف لإصلاح الواقع هو معرفة الواقع بكل ما في الواقع من مضحكات ومبكيات، وبعدها الانتقال من هذا الواقع إلى واقع جديد أفضل)".
ثم يتحدث المؤلف عن المرحلة الممتدة من "1921-1928"، من عمر الدولة الأردنية امتدادًا لمرحلة من الفوضى، والغزوات، وضعف السلطة الحاكمة التي سبقت، لكن فجرا جديدا مفعما بالنشاط والحيوية، نشاطا هاشميا عربيا أردنيا يصبو للحرية والاستقلال والحياة الفضلى، تم فيه كثير من الإنجازات مثل توقيع المعاهدة الأردنية-البريطانية في العام 1928، وعقد المؤتمر الوطني الأردني، ونشأة الحركة الوطنية، وتأسيس الأحزاب السياسية.
ويرى الرفوع أن مذكرات العناني المعلم في البادية الأردنية كانت "ضرب المكانس"، أولى مذكرات معلم، دونت واقعا أردنيا، وسجلت مشاهدات وحكايات مع الأهل والعشيرة، بصراحة وشفافية، تخلو من التنميق والمجاملات، وعكست واقعًا معاشًا.
ويواصل المؤلف حديثه عن المعلم عمر العناني الذي جاء من فلسطين، التي تعيش مواجهة حقيقية مع الاستعمار البريطاني الصهيوني، لتوأم الروح الأردن، حاملا فكرا وحدويا قوميا، مناضلا من أجل وطنه وأمته، ليعيش الحياة مع توأم فلسطين، وأرض رباطها بكامل تفاصيلها البسيطة والمعقدة وتحدياتها وتغيراتها، وعدوها المشترك، وكان شاهد عيان على تفاصيل حياة جزء عزيز من وطننا الغالي جنوب الأردن والواقع الاجتماعي والاقتصادي والتعليمي لريف وبادية الأردن، ذاكرًا أحداثًا، وتواريخ، وأسماء قادة من الأردن وأحرار العرب والمسلمين، شكلت في مجملها نسيجا تاريخيا، يستحق القراءة والتأمل.
ويشير الرفوع إلى أن العناني من مكان سكنه في الولايات المتحدة الأميركية بعث إلى أحد طالبا منه إعادة طباعة مذكراته للمرة الثانية، لقد كان العناني صادقًا بسرد الأحداث والمواقف التي وقعت معه والمشاعر التي أحس بها طوال حياته دون أن يخاف من الأحكام التي قد يطلقها الآخرون عليه أو مواقفهم منه.
ويقول المؤلف إنه على الرغم من قصر المدة التي قضاها العناني في كل بلدة من بلدات الجنوب الأردني وإلمامه بتفاصيل حياة المجتمع، إلا أن هناك بعض النقص في المعرفة في طبيعة قبائل وأحوالها وترحالها وأنسابها، وهل هي من القبائل المستوطنة أو الوافدة طلبا للماء والكلأ أو ممارسة بعض المهن في تلك المناطق كتجوال عشائر النور في المناطق المختلفة، أو أماكن التماس المشترك في المناطق بين مختلف القبائل الأردنية، بحيث أنه لم يفرق بين الريف والبادية، وخاصة أن القبائل الأردنية "الفلاحين"، غالبًا ما كانوا أشباه بدو، والخلط بين طبائع وعادات وتقاليد القبائل الأردنية بمختلف شرائحها.
ويضيف الرفوع، أن العناني كانت لديه معرفة شبه دقيقة في سرده للمواقع والأحداث التاريخية دون أن يشير إلى تلك المصادر والمراجع من قريب أو بعيد، والواقع يحتم الإشارة إليها لما فيها من روايات وأفكار مختلفة كما يرد في مشاهداته وزياراته للبترا ومقام النبي هارون، لافتا إلى أن العناني قد أعاد صياغة المذكرات في فترة متأخرة سمحت له بالاطلاع على مصادر ومراجع حديثة في وقتها.
ويخلص المؤلف إلى أن مذكرات العناني قد أضاءت لنا جوانب من حياة المجتمع الأردني، وسلطت الضوء على قدرة المجتمع نفسه على مواجهة التحديات والتغلب عليها، والقضاء على كل عوامل الفرقة والتخلف، ونبذ مشاعر الكراهية، وغياب الثقة بين القيادة والمجتمع، وأوضحت لنا قدرة القيادة الهاشمية على المرونة والتعامل مع سياسة الأمر الواقع مما جنبها الكثير من الأزمات والإخفاقات والكوارث التي كان يعيشها واقع الحال في المجتمعات العربية الأخرى، ومكنها من السيطرة على التحديات الداخلية والخارجية، وكانت هذه المذكرات بحق وثيقة تاريخية واجتماعية وسياسية واقتصادية وتعليمية لفترة مهمة من تاريخ نشوء الدولة الأردنية، لهذا كله استحق منا الدراسة والبحث.
وفي التمهيد، يقول المؤلف إنه عندما شاهد كتاب "يوميات علم في البادية- ضرب المكانس"، لمؤلفه المعلم عمر العناني، فقد وجدت فيه ضالة في حقل التربية والتعليم، وهو المعلم المعار من قبل حكومة الانتداب في فلسطين إلى إمارة شرقي الأردن؛ حيث مارس مهنة التدريس في مدارس جنوب الأردن لسنوات امتدت من 1928 إلى 1933، في المزار، وبصيرة، ووادي موسى، والشوبك.
ويقول الرفوع، إن مذكرات العناني تعد من أوائل السير الذاتية التي كتبت في الفترة الحرجة من عمر الإمارة، وفيها رسم المعلم العناني بصدق وعفوية لوحة فنية تصور الواقع في ربوع ومضار جنوب الأردن؛ دون تشويه أو رتوش لوحة فيها مزيج وظلال من ملامح وبصمات، ومشاعر وخلجات روح الأهل والعشيرة في هاتيك المضارب، عكست ثلاثية الأرض والإنسان والزمان، وصراع الخير والشر.
ويرى المؤلف أن العناني كان منسجمًا مع نفسه وأهله، وليس غريبًا عنهم؛ وهو ابن جنوب فلسطين، وإن كان ملعب صباه ولهوه في ربوع حلحول والخليل في فلسطين؛ فإن ربوع الكرك، والطفيلة، وبصيرة، وضانا، ومعان، والشوبك، ووادي موسى مهوى الفؤاد والروح والذكريات.
وخلص المؤلف إلى أن العناني قسم مذكراته، وأخبارا، وقصصا عاشها، وكان فيه شاهد عيان، ولما كانت خدمة العناني التدريسية بين "1928-1933"، كانت سنوات التأسيس الأولى، لذا جاءت تكشف اللثام عن بعض القضايا الداخلية والخارجية، وأسلوب الإدارة الناشئة؛ والواقع الاجتماعي والاقتصادي، والثقافي، مبينا أنه عندما دون العناني مذكراته بعناية، يجعلها مصدرًا معاصرًا للسنوات التي وثق بها بداية الجهد ورسم طريق المستقبل رغم كل التحديات ومرارة الواقع.