هجرة أم هروب!

لا يكمن خطر استطلاع الرأي، الذي أجراه الموقع الإلكتروني لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي عربي) وأعلنت نتائجه يوم الخميس الماضي، في النسبة الكبيرة للأردنيين الذين يفكرون بالهجرة فقط، وإنما يدق على وتر حساس، لا بل وحساس جدًا، يتمحور حول الانتماء للبلد أو الهروب منها.اضافة اعلان
نعم، خطر، لا بل أخطار، تلوح بالأفق.. فعندما يكون بلد كالأردن، عديد مواطنيه يبلغ نحو 6.7 مليون نسمة، سبعون بالمائة منهم من فئة الشباب، ومن هؤلاء أكثر من النصف، وبالضبط أربعون بالمائة منهم يفكرون بـ"الهروب".. فهذا يضع أكثر من إشارة استفهام وخوف من "القابل".
إن أحد أسباب الهجرة هو عدم الشعور بالانتماء للبلد، فالشخص يفقد نوعًا ما انتماءه للبلد التي لا توفر حياة كريمة لمواطنيها، تضمن الأشياء الأساسية لهم من مأكل وملبس وتعليم وصحة وبنى تحتية، وهامش معقول من الحرية والتعبير وحق الحصول على المعلومة، فضلًا عن المشاركة في عملية صنع القرار بطرق سلمية.
وللقارئ أن يتخيل كيف سيؤول الوضع في البلاد، بعد عقدين أو ثلاثة عقود، عندما يتحقق لأكثر من نصف شباب الأردن، الهجرة التي "يفضلونها".. وما يدعو للقلق أكثر، هو الدرجة التي وصلت إليها الحالة المتردية لشبابنا والوضع المتردي لهم، فهم يؤكدون استعدادهم للرحيل أو الهجرة، أو الهروب، "حتى من دون حيازة أوراق رسمية".
أي مصائب مقبلون عليها.. صحيح بأن هذه النسبة الكبيرة التي تفضل الهجرة، من الصعب كلها أن تُسنح لها فرصة الرحيل، لكن على مسؤولينا أن ينتبهوا لذلك جيدًا، وأن يعدوا العدة لمثل هذا التفكير القائم على الجدية، فعندما يفكر شاب بـ"الهروب" حتى من غير أوراق رسمية فهذا يدل على وصوله إلى مرحلة "الخنق"، التي لن يحتمل بعدها أي شيء.
كما قلنا، بداية، الهجرة لا تكمن خطورتها، فقط، في هروب كفاءات وخبرات وشباب في مقتبل العمر، قادرين لو سُنحت لهم الفرصة أن ينحتوا في الصخر، بُغية الوصول إلى مبتغاهم وتحقيق ما يصبون إليه.. لكن الخطورة تكمن في أن هذه الفئة قد تكون نسبة كبيرة منها فقدت الانتماء، وقبل ذلك تكون فقدت "بوصلتها" وأهدافها وطموحاتها.. وهنا تكمن الخطورة، وخصوصًا أن أربعة وثلاثين بالمائة من الأردنيين يُعانون من الاكتئاب معظم الوقت.
نقطة أخرى، مهمة، تكمن في توقيت إعلان نتائج الاستطلاع، الذي جاء بُعيد يوم واحد من اختتام مؤتمر البحرين الاقتصادي، وفيه ما فيه من إغراءات مالية ووعود بتنفيذ مشاريع تقدر قيمتها بـ50 مليار دولار أميركي، جلها في دول عربية.
قد يقول قائل، بأننا "نشطح كثيرًا"، في هذا الاستنتاج، لكن الواضح والظاهر للعيان أن توقيت الاستطلاع ليس صدفة وليس بريئا، وبالأخص أنه أجري على عينة تُقدر بأكثر من 25 ألف شخص، يمثلون عشر دول عربية، بهدف استقصاء طبيعة العيش في هذه الدول!.