هدوء في الضفة الغربية

هارتس –  ميرون بنفنستي

جرت العادة على القول ان الاهتمام ينصب على الضفة الغربية عندما تجري فيها اعمال عنيفة وعندما تمتزج الاحداث في الحكاية المعروفة حول المستوطنين، والحواجز، وجود الاحتلال وظلمه. هذه المقولة تبرهن عن صحتها امام حقيقة ان التغير الايجابي في الوضع الامني والاقتصادي والاجواء العامة يحظى باهتمام قليل وتغطية محدودة.

اضافة اعلان

وهكذا يتبين ان تغييرات هامة ذات اثار واسعة على الواقع السياسي وعلى الجدل الذي يرافق حكومة نتنياهو لا تحظى بالاهتمام الكافي. ليست هناك حاجة لدراسات معمقة للادراك بأن الوضع في الضفة يختلف عما يظهر من التقارير الشديدة حول البطالة والفقر وعدم التطور الاقتصادي والشعور العام بان المناطق خطيرة وعنيفة.

يكفي التجول في رام الله للشعور بأن الوضع هناك مريح ومفعم بالحياة. فالنشاط الاقتصادي ظاهر هناك. التحسن ملموس ايضا في المدن التي كانت بؤرة للعنف مثل نابلس والخليل. والصحافيون الذين يتجولون في منطقة جنين يتحدثون عن الحياة الهادئة والمنظمة. شرطيون فلسطينيون في زي مرتب يسيطرون على المجريات على الارض التي كانت حتى ما قبل حين معقلا للمسلحين. رغم الخطر يمكن ان تلمس عودة العرب الاسرائيليين الى اسواق جنين وطولكرم.

المعطيات تشير الى صحة الانتعاش الاقتصادي، وفي السنة الاخيرة طرأ ارتفاع باكثر من الثلث على النشاط التجاري، ورغم مؤشرات الركود الا ان ارتفاع مستوى المعيشة يتواصل .. صحيح ان الدخل القومي للفرد بقي اقل من عشر الدخل القومي الخام في إسرائيل وان الازدهار مصطنع لانه يقوم على التبرعات الآتية من الخارج ورغم مساعي بناء آفاق انتاجية الا انها مصطنعة، كما انها تشجع الاستهلاك والانفاق المبذر. الا ان هدف المانحين هو تأييد سياسة السلطة ومكافحة حماس من خلال الاقتصاد. وهم ينجحون في ذلك على ما يبدو، والدليل:- الضفة بقيت هادئة خلال عملية غزة ولم تنجر لاعمال احتجاجية وبدرجة تقل حتى عن عرب إسرائيل.

الجهات الامنية متنبهة لهذا التحسن وهي تقوم بازالة حواجز وتسهل الحركة بل وتتنازل عن مقاطع من الجدار الفاصل في القدس. في ظل هذا التحسن قد يكون نتنياهو محقا عندما يدعي انه يتوجب التركيز على "السلام الاقتصادي" وان من الواجب العمل على مواصلة التنمية الاقتصادية في المناطق في ظل غياب احتمالية التوصل للتسوية الدائمة.

لا يتوجب الاستخفاف بموقفه هذا واعتباره محاولة لاستبدال التطلعات الوطنية الفلسطينية بتحسن الاوضاع الاقتصادية. هناك ايضا طرح مناقض يقول ان "عملية السلام" التي لم تطرح اية ثمار حتى الان هي وسيلة لتبرير تجاهل الواقع.

معسكر اليسار متمسك بمواقفه وقد اختار تجاهل التحسن الاقتصادي الذي طرأ على المناطق لانهم يعتقدون ان من المحظور اضافة طابع ايجابي على صورة الاحتلال الوحشي. كما ان معسكر اليمين يتجاهل التحسن الذي طرأ على الوضع لان "اعتبارات امنية" ستختفي حينئذ ولا تعود هناك ذريعة لاعمال النهب والسلب على شاكلة الجدار.

التجاهل مريح للجميع، وهكذا يشتركون جميعا في القول بان العرب مهمون فقط عندما يكونون عنيفين. وفي ظل عدم الاهتمام يتواصل ترسيخ وتعميق الحكم الاسرائيلي على الضفة. هناك موقف سائد مفاده، ان الفلسطينيين سيشرعون بانتفاضة ثالثة، الا انها قد تكون نابعة من التشبث بالنظرة القائلة انهم لا يفهمون الا القوة. ربما تعبوا من العنف الذي قادهم الى الكارثة، وهم يتبنون الان استراتيجية عرب اسرائيل – التي تجبر الاسرائيليين على التعامل باهتمام مع كفاحهم غير العنيف ومراكمة القوة الاقتصادية المجتمعية.