هدوء مؤقت

هدوء مؤقت
هدوء مؤقت

 معاريف - عوفر شيلح

بعد شهرين من الحادثة الأخيرة التي كتبت فيها عناوين الصحف عن جنود من لواء كافير يستعدون للاحتجاج ضد إخلاء مناطق استيطانية، يبدو أن ألسنة اللهب التي خشيت منها الأجهزة الأمنية قد تلاشت. الرافضون للأوامر العسكرية والمتظاهرون غابوا عن عناوين الصحف، والمخاوف من التصعيد بالأفعال والأقوال لم تتحقق. ويبدو أن لكل الاطراف الان مصلحة في الحفاظ على مستوى منخفض رغم أن أحدا لا يخدع نفسه بصدد الوضع الحالي.

اضافة اعلان

قرار إقالة رافع اللافتة في منطقة حائط المبكى من الجيش نبع من الطريقة التي نظر فيها الجيش الى هذا الشخص ودوافعه وليس من خطورة ما فعله. بعد شهر من ذلك رفض ضابطان في كتيبة أخرى تابعة للواء كافير الأوامر في اليوم الذي تم فيه هدم مبان في مغيهوت. وقد ارسلا إلى قيادة السرية وخلال الطريق تحول رفض الأوامر، بعد تنسيق هاتفي مع أطراف مدنية، الى خطوة احتجاجية تتضمن رفع لافتات وتغطية إعلامية.

هؤلاء كانوا جنودا قدامى وقادة ورفضوا الأوامر فعليا، وهي معطيات تشير للوهلة الاولى الى أن ما فعلوه شديد الخطورة لدرجة تفوق ذلك الجندي المبتدئ الذي رفع اللافتة في حائط المبكى. وقد تمت إقالتهما من القيادة ومن مجال القتال ولكنهما ما يزالان قيد الخدمة.

السبب هو كما أسلفنا أن التعامل يتم مع الدافع ومع الشخصية. لقد اعتبر الضابطان فاشلين في الانضباط في لحظة حماس. أما ذلك الجندي فقد وصف من البداية كاستفزازي قام بعمل مخطط وخطط لما فعله منذ مدة طويلة سلفا وربما حتى تجند للجيش باحثا عن فرصة للتظاهر. ولأنه رفض التعبير عن الندم كان من السهل تحويله الى نموذج للاخرين حتى يتعلموا الدرس.

كما أن توقيع تسريحه من الخدمة يدلل على وجود شعور بهدوء الوضع في الجانبين. الجيش واثق بدرجة كافية من ان هذا الشخص هو انسان لا يمتلك قاعدة دعم واسعة - تماما مثل الحاخام ميلماد رئيس المعهد الديني هار براخا الذي لا يعتبر مهما تماما ولذلك كان عقابه متناسبا.

بعد ما تم من أفعال عبرت أوساط الجيش عن خشيتها من وجود من يحاول اثارة تمرد في صفوفه والتسبب في رفض الاوامر خلال خطوات اخلاء أو هدم في مناطق استيطانية. لم يحدث اي شيء شبيه لهذا والرد على قرار الغاء التسوية مع الحاخام من مستوطنة هار براخا بقي في المسار السياسي (وهناك يتوقع أن تكون الإجراءات طويلة وكثيرة المداولات). ولم يعد تجميد البناء في المستوطنات ضمن عناوين الصحف. ويعكس ذلك حالة الاطمئنان في الجيش الإسرائيلي.

ومع ذلك لا يجدر الافتراض بأن العاصفة قد مرت. قضية هار براخا ستتدحرج في الأروقة القضائية والسياسية ولن يسقط أحد عن كرسيه ان انتهت بتسوية وحل وسط. ولدى جهاز الدفاع تقاليد طويلة من القرارات والدعاوى من هذا الصنف التي لم تطبق والحاخام ميلماد لا يمتلك ما يكفي من الدعم للاعتقاد بأنه سينتصر.

الاجواء على الأرض لم تتغير ومثلها لم تتغير مواقف حاخامات آخرين كانوا حكماء أو اقوياء بدرجة كافية للفرار من المصير الذي لقيه الحاخام ميلماد ولكن فلسفتهم ورؤيتهم لا تختلف عنه. وما تزال أزمة القيادة الحادة في اوساط المستوطنين على حالها وهي تتجسد ايضا من خلال استقالة بنحاس فلرشتاين. وكل هذه العوامل تتمخض عن اجواء قابلة للانفجار وهي بانتظار الشرارة القادمة للاشتعال من جديد.

جهاز الأمن أبدى في الاشهر الاخيرة حزما وإصرارا لم يكن موجودا في الماضي. ولكنه تصادم حتى الان بالاساس مع أهداف بسيطة. من الصعب على المحرضين في اوساط المستوطنين بلورة عصيان حقيقي حول جندي مبتدئ لم يتجند بعد وقام برفع لافتة احتجاجية في حائط المبكى. وإن تجددت في اوساطهم مشاعر الخطر سيبحثون عن أهداف اكثر أهمية كتلك التي سيصعب على الجيش ان يعزلها ويحولها الى حوادث منفردة.

مصدر أمني بارز جدا توقع في اجتماع مغلق بأن يتمخض الاخلاء في المستقبل عن نطاق رفض أكبر للاوامر العسكرية: تصريحات فظة وصريحة من الحاخامات واصطفاف واضح للعصيان داخل الوحدات العسكرية. رفض الاوامر الرمادي وغير الواضح الذي يمكن للجيش ان يواجهه من خلال إقالة جنود مخطئين من موقع الحدث سيتضخم وسيتحول الى رفض أسود تماما.

إن الهدوء الحالي مثل خطوات الردع التي اتخذت حتى الان لا تغير من هذه التوقعات ولو قليلا.