هدى.. الجهد والثقافة والتواضع

موفق ملكاوي حركات يديها كثيرة حين تبدأ بالشرح، ومشيتها سريعة إلى أي هدف كان، فهي، على ما يبدو، لا تستطيع أن تكون هادئة، فثمة طاقة كبيرة تمور في داخلها على الدوام. أما كلامها، فينطلق كما لو أنها تريد أن تقذف على سمعك كل الحديث دفعة واحدة. حين تقترب منها، وتبدأ بالحديث إليها، ستلاحظ بلا شك أن حركات يديها جزء من حديثها، فهي تشرح فيها قسما من الموضوع، كما لو أنها تريد أن تمنحه صورة بصرية، أو ربما تحاول مداراة ارتباكات كثيرة لا تعلم أسبابها. وقد لا تكون ارتباكات، بل انفعالات لا تحسن إخفاءها، بما يشي بشخصية صادقة، لا تحاول إضفاء أي ديكورات على حضورها أمام الآخرين. تكره «التايم شيت»، مثلنا جميعا، وتحب عملها كثيرا، لكنها تعشق السينما، وتعتبر أنها الشغف الحقيقي الذي انبنى عليه جزء كبير من حياتها، لذلك لا تحاول أن تتورط معها بأي حوار عن السينما أو الأفلام، فرغم حداثة سنها إلا أنها سوف تفاجئك بالمخزون الهائل من المعلومات التي تعرفها، وبمنظورها عن السينما، وأرشيفها الخاص الذي تحتفظ به في ذاكرتها. هذه ليست الصورة الكاملة عن معرفتها، فهي ليست مجرد موسوعة تختزن الأفكار والمعلومات، بل هي تمتلك رأيا خاصا في السينما ككل، وفي تفرعاتها من الفيلم الوثائقي إلى التسجيلي إلى السينما الصامتة والبطيئة وغيرها. وفي تقنيات تلك الأنواع، والمخرجين المبدعين في كل حقل. تقول إن هوليوود اختارت الإبهار على حساب المضمون والبعد الإنساني، بينما السينما الأوروبية تحفر عميقا في الوجدان، وتنبش في المسكوت عنه للعلاقات الإنسانية المتشابكة، لتضع المشاهد أمام لحظة التجلي الحقيقية التي يختبر فيها إنسانيته وانحيازاته الواضحة. هذا جزء بسيط مما تبشر به من أفكار ومفاهيم وانحيازات، لذلك، إن جاء الأمر إلى السينما، فلا تحكم من أول نظرة، فهذه الشابة تمتلك دائما ما سيثير دهشتك، ويجعلك منجذبا لحديثها. ستحاول أن تؤثر في رأيك حول ما شاهدته أنت من أفلام حديثة وقديمة، وبالتأكيد سوف تقدم لك رؤية جديدة، أو زاوية أخرى للطرح ربما لا تكون قد فكرت فيها من قبل. ربما يكون الأمر عاديا جدا حتى اللحظة، فهناك شابة عشقت السينما وطاردت جميع صورها لكي تستطيع أن تحقق توازنا ما في محاولة فهمها للبشر والحياة. قد يكون كل ذلك عاديا جدا حد الرتابة والتكرار اليومي، لكن أن تتصدى الفتاة الشابة لمهمة التثقيف السينمائي من أوسع أبوابه، وأقصد به باب الإعلام، فهذا أمر فائض على حد التوقع، ويدخل في باب التفرد. فمنذ أشهر قليلة، تعد وتقدم برنامجا سينمائيا دوريا على السوشال ميديا، تقدم من خلاله قراءة متأنية في أحد الأفلام. في هذا البرنامج، تحاول الشابة أن تقدم صورة جديدة للسينما الجادة التي تنبني على المفاهيم، وليس على الإثارة أو الغرائز، وتدخل في استعراض أسئلة الوجود الكبرى، وأصل السأم الإنساني. رؤيتها مهمة في قراءاتها تلك، لكن حضورها الطاغي أمام الكاميرا مهم أيضا، خصوصا أنها تتحدث بلا تكلف أو تصنع، تماما كما تتحدث إلى الناس، ولكن هذه المرة بلا حركات يديها الكثيرة. هذه الشابة اسمها هدى قمحية، زميلتي في مؤسسة عبد الحميد شومان، والتي أعتز بزمالتها، وبما تضيف إلي من معلومات وأفكار حول السينما الحديثة، والأهم أنها تضعني أمام صورة كاملة للتواضع الحقيقي، والذي يطغى على جميع تعاملاتها مع كل من حولها.

المقال السابق للكاتب:

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا

اضافة اعلان