هذا الحبُّ سيطولُ كموّال

يَزْدادُ الليلُ في الشتاءِ ساعَةً بحُكم خجَلِ النهارِ منَ الشمس، وساعَة أخرى تقرِّرُ فيها الحكومة مَنْحَ الحبِّ الزوجيِّ عتْمَةً أخرى، والعُشَّاق فرصَةً جديدَةً لاختبارِ الضجَر، وساعة إضافيَّةً لي سأستَثمرُها في الحُلمِ بلقاءٍ يَجْمَعُنا في نهار ما. سأنتطركِ الليلة في هذا الليل الطويل كأرَقِ السهارى، وحُزْنِ السكارى، وحيرَةِ الحيارى، وحلم امرأةٍ بما ليْس في الرجال.اضافة اعلان
وهذا الليْلُ سيَمْتدُّ حتى تأخُذَني الأغنِيَةُ إليكِ: "ولو تِعْبَتْ الرِّجْلين أمشي على إيدي"، وهذا الشتاءُ سيتسمرُّ إلى أنْ يذوبَ قلبي في قلبكِ، ويصيرُ المَطرُ نَهْرا، وهذا الحبُّ سيطولُ كموَّالٍ: "يا ليل ويا عين"..؛ ولا أحد بجواري يصرخُ منفعلاً: "الله، الله"، ولا أمَلَ بأن يقتَرب الفجر؛ ويأتي النهار من بعده.
"أول الليل كآخره".. حينَ لا تكون "ليلى" ولا يعلو الغناء، و"الليلُ يا ليلى زوجكِ المخدوع وأنا عشيقكِ المجرَّد من الحيلة"، وأنا العَطَشُ وأنْتِ لمَعانُ السرابِ، وأنتِ القصيدةُ وأنا إيقاعها الخفيّ، وأنا هنا وأنتِ لستِ هناك؛ فـ"أنا وليلى" لم نلتقِ سوى في الأغنية!
ومنذُ كسَرَ المغني حنجرته في الغناء وأنا أمشي بأثر حبِّها مدندنا، وأقولُ في ندَمِ عاشقٍ خفيف القلب: "لو أنني انتظرتُها عاماً آخرَ؛ لتأخَّرَ فراقُنا شتاءَيْن"، والشتاءُ على بابي مطرٌ وهواءٌ وانتظارٌ؛ وفي غيابكِ يتأخّرُ الليلُ فجراً وليالي عشرا.
الوقتُ الآن مُنْتصَفُ الوقت؛ لذلك لم أنشغل بعدِّ الدقائق فهيَ كالنساءِ واحدَةٌ تذهبُ وأخرى تأتي، والفصولُ لعبَةُ وقتٍ لا أكثر..، وأنتِ الفصلُ الأخيرُ الذي لا موعدَ له، قد يأتي بين فصلين، وقد يتأخَّرُ لظروفٍ لا تخصُّ المناخَ وحده.
والمدهشُ في الأمر أنَّكِ خرافةٌ، وأنَّ الأملَ في تحقُّقِ الخرافاتِ أزليٌّ، وكلُّ هذا الليل ادَّخَرْتهُ لكتابة الأدعيَةِ التي تقرِّبُ الفقراء إلى السماء: وأنا الفقيرُ إلا من الوقتِ والعتمَةِ. والساعاتُ كثيرةٌ ولا أجزاء فيها، ولا أيام، هو وقتٌ ثقيلٌ يشبه خطواتِ امرأةٍ متردِّدَةٍ نحوي؛ وهو وقتٌ سريعٌ يشبه خطواتي المتسرِّعة نحوكِ. الوقتُ الأولُ لن يأتي. والثاني انتهى مبكراً.
كان الوقتُ ليلاً قبَل قليلٍ..؛ والآن لا لون للوقت، منذُ أنْ تقدَّمَ الليلُ ساعَةً، ثمَّ ساعَتَيْن وأصبحَ "أمرا واقعا". والليل ليس مجرَّدَ عتمَةٍ، فعندما يدخلُ منخفض قطبيُّ الأصولِ الأجواءَ يحينُ الليلُ والشوق، وهذا الشتاء بدونكِ لن يكون برداً، ولا سلاماً.. إنَّما مطرٌ لاذعٌ، ونار بهيْئَةِ ماءٍ.
وأسوأ ما في الوقتِ أنَّه يأتي متأخِّراً دائماً؛ أنتِ مثلاً هاتَفْتِني حينَ قرَّرَ الصوتُ الأنثويُّ الآليُّ أنَّني "لستُ متاحاً"، وكان بَيْنَنا لقاءٌ لكنَّ الوقتَ اعتذرَ عن المجيء، وافترقنا، وربَّما التقيْنا لأنَّ عاشِقَيْن في مكانٍ ما قد افترقا.
يا وحيدتي..؛ في الوحدَةِ وحدَتُنا، تعالي حينَ يأتي النهارُ فظلكِ..؛ ولا ظلُّ الظلال كلها. يبدو أنَّني أكتفي بكِ عن كلِّ ما يقبلُ أيماني، لكنكِ لستِ بدايَةَ الأشياءِ، ولستُ ختامها..؛ المتنُ كله لكِ فقط لو تنقضي العتمة، ويذهب الغيمُ الأسود إلى سبيله. أعرفُ أنَّني أحلمُ بما ليس في النساء..؛ فالليلُ يفصلني عنكِ، والنهارُ لا يجمعُ الوحيدين