هذربات جوزائية

من المؤكد أنها سوف تتكدر كثيرا، بل إنني على يقين بأنها سوف تستشيط غضبا، ولعلها تقاطعني إلى الأبد، حال انتهائها من قراءة هذه السطور، ولسوف يسعدني ذلك لأني اقتصصت منها وانتهى الأمر.

اضافة اعلان

قد ينصحها محام يافع طامح بالمجد والشهرة، بضرورة جرجرتي إلى المحكمة، وإلزامي دفع مبلغ خيالي عن الضرر المادي والمعنوي الذي ألحقته بموكلته، إضافة إلى أتعاب المحاماة ومصاريف الدعوى من رسوم وطوابع!

ومع ذلك لن أنفعل إلا بمقدار بسيط، لأن الذهاب إلى المحكمة حراك ثقافي، حسب مسؤول رفيع المستوى! وبالتالي علينا ألا نتحسس كمواطنين ميالين إلى الهذربة بسبب إجراء طفيف كهذا، ولربما سوف يستثمر "السولافة" صحافي "حربوق" فيخصص حيزا على موقع إلكتروني بالغ الاصفرار للتنديد بمقالي هذا، حيث معلقون مستفزون سيصبون جام غضبهم عليّ لعدم التزامي بمبدأ المجالس أمانات!

لكنني لن أتراجع عن نيتي بالتشهير بها، وسوف أتحمل المسؤولية الجنائية والجزائية وأتنازل طواعية عن خيار الجاهات والعطوات والجلوات، وإسقاط الحق الشخصي، لأنها ببساطة "جننتني" وقد نفد صبري منها تماما.

إذا نجحت في إثارة فضولكم، فأنتم مضطرون للمتابعة إلى النهاية، وإذا ضجرتم فهذا شأنكم، أقترح عليكم والحال هذه أن ترجعوا إلى زاوية حظك اليوم التي يعدها الزميل "عبود" في ملحق حياتنا، وعلي أن احذر من باب الأمانة العلمية كافة منتسبي برج الجوزاء بأن "عبود" يتخذ في العادة موقفا صارما من برجهم، وغالبا ما يسد بوابة الأمل في وجوههم، في حين ينحاز لمواليد برج الحوت ويدللهم على حساب بقية الأبراج. طيب لماذا يا أخي عبود وأين حيادك الفلكي يا رجل؟!

ما علينا! عودة إلى صديقتي التي "جننتني" كما أسلفت ومن شدة غيظي فإنني لن أمنحها اسما حتى لو كان مستعارا، وبالتالي سوف أفوت على المحامي الطموح توفر أحد أهم أركان جريمة القدح والذم، سأكتفي بالإشارة إليها بضمير الغائب.

هي امرأة مجبولة على النكد، تقول انها مكتئبة وتعاني من أرق وضجر دائمين، يجافيها النوم ليلا لأسباب ليست لها علاقة بالعشق والجوى، بل لأنها كما تقول متعبة ومحبطة ومفلسة تماما، جراء مغامراتها الفاشلة بالبورصة، وبالتالي لم تعد تملك ترف الاسترخاء على شرفة الانتركونتيننتال مثل المسعدين من أهل عمّان، كي تتخلص من الضجر الذي أصبح ملازما لها.

وكوني على النقيض منها، اقصد من حيث تفاؤلي ودرجة إقبالي على الحياة وقدرتي على التأقلم مع الخيبات..، اقترحت عليها الجمعة الماضية مشوارا في السيارة نبتاع ساندويتشات فلافل أبو جبارة الهائلة، نلحقها بفنجان قهوة من أحد الأكشاك المنصوبة على قارعة الطريق، فنقضي على الضجر بأقل الكلف. وافقتْ على مضض، وما إن شرعنا في المشوار حتى شغلت المسجل لينطلق صوت فريد الأطرش، مصرحا أنه عمر بلا شباب وحياة بلا ربيع، ليس ذلك فحسب بل إنه يصر على أن يشتري الحب بالعذاب؛ "أي صفقة بائسة هذه ؟"، وذلك احتفالا بيوم مولده الشقي، بحسب الأخطل الصغير!

قادت صاحبتي المجنونة السيارة باتجاه طريق المطار، حيث الأردنيون يمارسون الاسترخاء بشكل طبيعي على الأوتوستراد! زجرتها بشدة، مهددة إياها بالاستغاثة بالدوريات الخارجية المرابطة على الطريق، أو بتحطيم المسجل فوق رأسها إذا لم يتوقف المرحوم عن الندب والعويل فورا!

غير أنها أصرت على فرض مزاجها الموسيقي الأسود، قائلة "سيارتي وأنا حرة فيها"! شرحت لها أنني مضطرة للفرح والإشراق والتفكير الإيجابي، كي أتمكن من كتابة مقالة الأربعاء، ومن بث الأمل في نفوس القراء المحبطين بدورهم لأسباب تخصهم، تنفيذا لرسالتي الإعلامية النبيلة!

بعد الانتهاء من "عدت يا يوم مولدي.."، احتفل المرحوم الله يسامحه بإطلالة الربيع في بكائية تسم البدن وتقطع الرجاء من شروشه، حيث استغرقت مغناته الخالدة مدة المشوار!             

ولسبب بالغ الغموض لا يعلمه إلا الله، تعدل مزاج صاحبتي غريبة الأطوار، والتهمت ساندويشة الفلافل بشهية عالية، فيما سقطت تدريجيا في كآبة ليس لها مثيل!