هذه المرة نقول: كفى ولتسمع الحكومة جيدا

هذه المرة، يجب أن نقف ونتحاسب؛ يجب أن يُحمّر الرأي العام عينه للحكومة، وأن يقف -ومعه منظمات المجتمع المدني والفعاليات السياسية والاجتماعية والنواب والأعيان- وقفة حازمة تلزم الحكومة بأمرين: 1  - المحاسبة العلنية على التجاوزات التي وردت في تقرير ديوان المحاسبة في مختلف المرافق، خصوصا ما يحمل منها شبهة فساد أو إنفاق زائد وغير مبرر؛ 2 - وضع أنظمة وتعليمات جديدة تقيد النفقات، خصوصا نفقات المسؤولين، بصورة تنهي كل احتمال للتنفع بالمال العام أو التجاوز عليه!اضافة اعلان
تقارير ديوان المحاسبة السنوية هي ملف ضخم جدا، فيه المهم وغير المهم؛ وفيه أيضا "حترفة" بيروقراطية زائدة تعيق العمل. لكن يوجد رصد لتجاوزات خطيرة، وهذا يسجل للتقرير، مع أن قناعة الرأي العام هي أن المخفي أعظم وأوسع من الهدر في فواتير الهاتف والمياه والكهرباء والسيارات.
هذا العام، كانت ردود الفعل عند الناس أوسع من أي مرة سابقة. وثمة استياء وغضب عامّان مع أن البعض يصب ماءً  باردا على بعض القضايا، لأن التقرير يجمل نفقات معينة لعدد من السنوات والمواقع، فتبدو أضخم كثيرا من الطبيعي. وعلى كل حال، تعوّد مجلس النواب أن يقف مع تقارير الديوان؛ فيدقق ويستدعي المسؤولين، وتنتهي الأمور على وعد من الحكومة بالمتابعة. وهي قد تتابع فعلا وتأخذ إجراءات، لكن لا يتم التدقيق اللاحق عليها؛ فينشغل النواب بأمور أخرى، وتعود الحال إلى ما كانت عليه، خصوصا مع بقاء الأنظمة والتعليمات وآليات العمل كافة التي تسمح بالتلاعب والتنفع والتجاوز على المال العام.
وليس الفساد بالسرقة والرشوة والاحتيال هو المشكلة فقط، بل ثقافة التعامل السائدة مع المال العام. والظاهرة التي تغضب وجه الله تتمثل في هذا الاستعداد للهدر بلا حساب حين يكون الدفع على حساب الدولة؛ من التعويضات إلى البناء إلى الأثاث، وحتى فواتير الهاتف والمياه والكهرباء والضيافة، التي تصل أي منها إلى آلاف الدنانير، بينما هي لن تبلغ عشرات أو مئات الدنانير لو كان المعني سيدفعها من جيبه، أو يتصرف بضمير كما لو أنها من جيبه.
هذه المرة نقول: كفى، ويجب تغيير كل نظام الإنفاق على حساب المال العام. المسؤولون كافة، وفي جميع المؤسسات والمرافق، يجب أن يدفعوا بنزين سياراتهم والزيت والصيانة وحتى التأمين من جيبهم، مقابل مبلغ مقطوع منطقي ينزّل مع الراتب. وبالنسبة لكبار المسؤولين، لا حاجة لأي زيادة، لأن رواتبهم الكبيرة تتحمل وزيادة هذا المصروف، ويكفي أن الدولة تصرف لهم سيارات، وربما ينبغي إلغاء هذا التقليد نفسه في وقت لاحق. وهذا الاقتراح أنا أقدمه منذ سنوات من دون جدوى، وحان وقت الأخذ به. وصدف هذه الأيام أن قرأنا خبر الوزيرة السويدية التي استخدمت بطاقتها الحكومية لتعبئة بنزين سيارتها بعشرين دولارا. ومع أنها فعلت ذلك -كما أوضحت لاحقا- بسبب نسيانها بطاقتها الشخصية، وعادت لتسديد المبلغ، فإن الرأي العام لم يتسامح  معها، واستقالت من منصبها. هذا مع العلم أن السويد التي تساوينا في عدد السكان، أكثر ثراء بعشرات الأضعاف؛ فموازنتها السنوية تعادل أربعين ضعف موازنة الأردن. وما ينطبق على السيارات ينطبق على الهاتف وكل النفقات الأخرى.
نحن دولة فقيرة ومدينة، نحتاج إلى كل فلس لوضعه في المكان الصحيح، ولا نتحمل كل هذا الهدر والفساد في الممارسة العملية. ويا ليت لو تُشكّل هيئة شعبية-برلمانية من خبراء، للتفاوض مع الحكومة وحشرها في الزاوية، للإقدام على إجراءات صارمة وتعديلات في الأنظمة والتعليمات لسد منافذ الهدر والفساد على مختلف المستويات.