هذه مجرد مبارة كرة قدم!

موقفان يستحقان التعليق في اجواء مباريات كأس اسيا الدائرة حاليا في دولة الامارات العربية والانجازات الكروية التي حققها المنتخب الوطني الأردني؛ الأول مدى تعطش الناس في بلادنا للانجاز سواء في الكرة او غيرها وقدرة الانجاز مهما كان في ان يغير مزاج الناس وتعاطيهم مع الشأن العام، والثاني الجرعة السياسية الثقيلة التي تضاف الى الرياضة وتلونها بلون قاتم ومعتم، وتجعل منها مادة لصناعة الكراهية ونشر الاحقاد. لم تكن مباراة المنتخب الأردني والمنتخب السوري استفتاء على المحبة والكراهية بين الشعبيين الشقيقين، فالتاريخ الطويل من الجيرة لا يمكن ان تمحوه مباراة كرة قدم او شطحات المعلقين، ولا هذا هو الوقت المناسب لإثارة مثل هذا النوع من المشاعر السلبية. كما اننا لا نقبل ان نشوه الوطنية الأردنية النامية بالشعبوية والافراط في محاكمة الآخرين وتأطيرها بلغة انقسامية، حتى وإن بدت لدى الطرف الاخر ومن فئة قليلة مشاعر سلبية من المفترض أن ننظر اليها في سياقها الموضوعي وعادة ما يجنح بعض الخاسرين الى شيء من النزق. النزاعات الرياضية توجد في كل مكان، وهناك تاريخ طويل من الصراع حول الكرة وسط المجتمعات الغربية ذات التقاليد الرياضية العريقة، وتاريخ الأندية الإنجليزية والإيطالية والإسبانية وتاريخ الصراعات الكروية بين شعوب أميركا الجنوبية وغيرها لا تقل حدة عما يحدث بيننا، لكن الذي لا يحدث في تلك التجارب هو التوظيف السياسي والإعلامي للكرة ومحاولة إعادة إنتاج نمط من الشعبوية حولها. العلاقات الشعبية الأردنية السورية كانت دوما فوق العصبيات السياسية، ولطالما حافظت هذه العلاقات على دفئها رغم كل أعاصير السياسة وتحولاتها، ولا يجوز بعد كل ما قدمه الأردن للاجئين السوريين على مدى سنوات الأزمة والمنحة ان نحول كل هذا العطاء الى مشاعر سلبية ونزقة. وليس صحيحا الادعاء بأن اللاجئين السوريين في الأردن يكنون مشاعر سلبية حيال الأردنيين فقد اثبتت العديد من الدراسات المسحية الأردنية عكس هذا الاتجاه تماما ومن الظلم السياسي والانساني الادعاء بالتفتيش على ضمائر الناس. عودة إلى الانجاز، نحن بحاجة الى تطوير رؤية وطنية في صناعة نجوم عالميين، نجوم حقيقيين في العلوم والرياضة والآداب والفنون بعيدا عن دوار صناعة النجوم الباهتة والمزيفة التي لطالما فرضتها الأجندات والمصالح الآنية والشعبوية الرخيصة، هؤلاء الشباب وغيرهم من نجوم أردنيين في الرياضة والاعمال والعلوم والثقافة هم الاستثمار الحقيقي ورأس المال الذي يجب ان نحرص عليه لمستقبل الأردن، فالعالم اليوم لا يرحم، ولا يعترف بشيء أكثر من التميز والإبداع، نحن أمام تحولات منتظرة في العقد القادم في بيئة صناعة النجومية في الرياضة وفي الاعمال وفي انتاج المعرفة وفي توليد الحلول للمشكلات التي يواجهها البشر هذه البيئة الجديدة سوف تبني الاقتصادات الجديدة وتعيد بناء الاقتصادات التقليدية على اشكال جديدة من المنافسة والنجومية الاكثر احتفاء بالقيم الانسانية، ولا شك ان الرياضة ستكون إحد الأعمدة الاساسية لبيئة الاعمال الجديدة . ما يتطلب مناقشات وطنية من نوع اخر بدءا بالرياضة المدرسية شبه المعطلة في المدارس وتحديدا مدارس الفتيات، حيث يدفع المجتمع الثمن صحيا واقتصاديا ومن نوعية حياة الأردنيين وسيدفع الثمن أضعافا في المستقبل القريب إذا ما استمررنا على هذا الطريق. ثمة دروس فلسفية عميقة تتردد منذ أقدم الحضارات الانسانية على اهمية غرس قيم الرياضة في وجدان الناس بعيدا عن توزيع حصص الكراهية بين الشعوب، الرياضة هي المعادل الموضوعي لتفريغ العدوانية والعنف والتطرف.اضافة اعلان