هذه نتائج التعداد السكاني

من المتوقع أن تظهر النتائج الأولية للتعداد العام للسكان الذي يجرى اليوم، خلال أيام؛ لتؤكد أن عدد سكان المملكة تجاوز عشرة ملايين ونصف المليون نسمة تقريبا. وهو ما يعني، عمليا، أن سكان الأردن تضاعفوا خلال عشر سنوات، بعدما كان العدد في آخر تعداد أجري العام 2004، قد وصل إلى نحو خمسة ملايين ومائة ألف نسمة فقط. وهي زيادة قسرية غير معقولة، لم تحدث في بلد آخر في العالم خلال العقود الثلاثة الأخيرة.اضافة اعلان
التعداد العام للسكان، كما هو معروف، يعني عدد المقيمين في بلد التعداد ليلة العدّ. لذا، فنحن نعرف أعداد المواطنين جيدا. لكن معادلة من هم على الأرض هي التي تعنينا بالدرجة الأولى، لأن هذه المعادلة مرتبطة بالموارد وإدارتها، وبالبنى التحتية والخدمات، ومجمل العمليات الاقتصادية. فهذه الزيادة غير المتوقعة تؤكد حالة الطوارئ الدائمة التي يعيشها الأردن، والتي تحرم البلد من فرص النمو الطبيعي، أو التفكير لأبعد من أشهر لا سنوات.
ليس من المنطقي ولا الأخلاقي أن نضع مشاكل الأردن على اللاجئين السوريين أو غيرهم، فهم لا حول لهم ولا قوة إزاء ما حدث لهم، وما يحدث لنا. لكن هذه الزيادة غير المعقولة في السكان يتحمل جانبا من المسؤولية عنها المجتمع الدولي، والأطراف الإقليمية التي تدير الصراع ولا تسعى إلى حله.
دعونا نكون أكثر جدية ومهنية؛ ما جدوى كل خطط التنمية والتحولات الاجتماعية والاقتصادية التي يخطط لها منذ أكثر من عقد، وسط هذه الظروف التي تتطلب أن تقسم كل شيء على اثنين، في مجال المياه والطاقة والبنى التحتية والتعليم والصحة والخدمات العامة الأخرى؟! فأنت أمام خيارين: أن تحقق نموا مضاعفا في الناتج الوطني الإجمالي، وهذا شبه مستحيل أن يحدث في سنوات محدودة؛ أو الرضا بأن تتراجع جودة الخدمات العامة وكفايتها إلى النصف. ماذا يعني ذلك؟ يعني، بكل بساطة، انعكاسا حادا على نوعية حياة الناس الذين يعيشون على هذه الأرض، الأمر الذي يقود حاليا إلى اختلالات عميقة في كل من كفاءة المجتمع وكفاءة الدولة.
يحدث ذلك في الوقت الذي كان الأردن يتحدث فيه عن بداية استعداده لدخول المرحلة التاريخية الثالثة في التطور السكاني التي تسمى "الفرصة" السكانية"، وتعني تحولا جوهريا في التركيب العمري للسكان لصالح الفئات العمرية المنتجة التي تصبح تشكل قاعدة الهرم السكاني. وهذا التحول من المفترض أن يحتاج إلى سياسات عامة موازية في التعليم والصحة والتشغيل وغيرها. وعلى الرغم من أن الأردن قطع شوطا في الحديث عن هذه السياسات، إلا أن الظروف التي ألمّت بالمنطقة باتت تحول الفرصة السكانية إلى نقمة.
النتائج المتوقع أن يصل إليها التعداد، يجب أن تنقل السياسة السكانية إلى رأس قائمة أولويات واهتمامات الدولة. وعلينا منذ اليوم أن نطرح الأسئلة الجدية حول معادلة السكان والموارد، وحول مستقبل اللاجئين ووجودهم، ومصير مدن اللاجئين وحقوقهم أيضا، وهل نخطط لعشرة ملايين ونصف مليون نسمة أم لستة ملايين ونصف مليون نسمة؛ ربما هناك فرق!