هزيمة الخارج ونصر الداخل!

في ذروة العدوان الإسرائيلي على لبنان، وكما يذكر الجميع، "نصح" الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصرالله، "حكام البلدان العربية والإسلامية" بأن "يقفوا موقفا واحدا على الأقل مع شعوبهم ويطالبوا أميركا بإيقاف العدوان على لبنان"! وسواء أكان ذلك عملا بنصيحة الأمين العام أم لا، فقد تم إيقاف العدوان الإسرائيلي فعلا بصدور القرار رقم 1701 الذي قبله حزب الله على لسان أمينه العام قبل نوابه ووزرائه، مع الحديث عن تحفظات سيبديها وزراء الحزب في الحكومة. وإمعانا في قبول القرار، أكد السيد نصرالله أن الحزب "لن يكون عائقا أمام أي قرار تراه الحكومة اللبنانية مناسبا بالنسبة لتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701".

اضافة اعلان

ورغم أن القرار لم يتضمن تحرير مزارع شبعا، بل على العكس من ذلك فرض نشر قوات دولية في جنوب لبنان في منطقة عازلة تفصل بين حزب الله وإسرائيل، فيما بقيت قضية الأسرى معلقة، برغم ذلك فقد أصر حزب الله ولا يزال على اعتبار النتيجة النهائية للحرب نصرا مؤزرا، تارة لأن الحزب صمد فكسر أسطورة العدو الذي لا يقهر، وتارة لأنه أحبط هجوما مبيتا فأخذ المبادرة... إلخ، وفي مقابل ذلك كله إذا كان هناك من يفسد هذا النصر وينتقص من قيمته، فليس إلا الحكومة اللبنانية ذاتها، التي باتت بحسب نصرالله "ليست قادرة لا على حماية لبنان، ولا على إعمار لبنان، ولا على توحيد لبنان". بعبارة أخرى، ومن وجهة نظر حزب الله وأمينه العام، هو نصر خارجي يبخسه الداخل حقه! فإلى أي مدى يبدو ذلك صحيحا؟

إذا ما سلمنا بالنتيجة السابقة، يكون منطقيا أولا وقبل كل شيء التساؤل: طالما أن الحكومة اللبنانية تمنح الإسرائيليين بالسياسة ما لم يحصلوا عليه بالحرب، فلماذا لم ينسحب وزراء حزب الله من هذه الحكومة؟ وقبل كل ذلك، لماذا رضي حزب الله بالقرار 1701 أصلا، وقبل بوقف إطلاق النار فيما كان الطرف المنتصر؟

في الحقيقة، فإن وجود الحكومة اللبنانية بالتركيبة الحالية كانت المخرج الحقيقي لحزب الله، إذ تمكن من خلالها من التوصل إلى وقف إطلاق للنار دون أن يخسر رصيده الشعبي، وذلك بترك مسافة واضحة بينه وبين مساعي الحكومة وقراراتها التي تتضمن تنازلات لأجل وقف العدوان الإسرائيلي. أما اليوم، فيبدو أن الحزب بات يستغل وضع الحكومة ومواقفها لكي يلقي عليها وزر كل التنازلات التي قبلها حزب الله لوقف العدوان الإسرائيلي، وتصويرها بأنها تنازلات الحكومة وحدها فيصون بذلك انتصاره المفترض، الذي يبدو اليوم الورقة الحاسمة في معركة الحزب الحقيقية، في الداخل وليس مع الخارج أبدا!

ففي المقابلة التلفزيونية الأولى للسيد حسن نصرالله عقب وقف العمليات العسكرية على الجبهة اللبنانية-الإسرائيلية، كان الأمين العام لحزب الله واضحا حد المفاجأة بقوله "لو علم بأن عملية أسر الجنديين الإسرائيليين كانت ستقود إلى الدمار الذي لحق بلبنان لما أمر بها"! لكن الأهم من الاعتراف السابق كان تأكيده على أنه "لن تكون هناك جولة ثانية من الحرب مع إسرائيل".

وهكذا، فإضافة إلى الحقائق على الأرض التي تقاس بميزان الربح والخسارة، فإن مهرجانات حزب الله وتصريحاته وحتى تهديداته إنما هي للداخل الذي يتم فرض "نصر عليه" و"ليس لأجله"! ولذلك، ففيما تميل لغة حزب الله إلى التهدئة والمهادنة مع الخارج، أكان المجتمع الدولي عموما أو إسرائيل، تزداد اللهجة حدة وتصعيدا مع الداخل، مع غموض يسمح بكل تفسيرات التهديد.

وإزاء تأكيد الحزب على أن الوحدة الوطنية خط أحمر، وأن حزب الله لن يستخدم سلاحه في الداخل، يكون منطقيا افتراض أن هذا التطمين مشروط بقبول ما يريده حزب الله وحلفاؤه فقط.

 

[email protected]