هكذا نستطيع التغلب على فيروس كورونا

آرون إي كارول؛ أشيشا جها* - (الأتلانتيك) 19/3/2020

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

اضافة اعلان

يستطيع نهج التخفيف أن يشتري لنا الوقت، لكن القمع وحده هو الذي يمكن أن يقودنا إلى حيث يجب أن نكون.

  • * *
    بينما شاهد الكثيرون منا فيروس كورونا وهو ينتشر في جميع أنحاء العالم بعدم اهتمام لأشهر، أدرك معظمنا أخيراً أنه سيعطل أسلوب حياتنا. ويبث تحليل حديث صدر عن "إمبريال كوليدج" الذعر في قلوب بعض الأميركيين، بمن فيهم العديد من الخبراء. ويتوقع التقرير أن يموت 2.2 مليون شخص في الولايات المتحدة. لكن التحليل يقدم سبباً للأمل أيضاً -مقترحاً مساراً إلى الأمام لتجنب أسوأ النتائج.
    ولنبدأ بالأخبار السيئة. نظر تقرير فريق الاستجابة في "إمبريال كوليدج" في تأثير التدابير التي قد نتخذها لتسوية منحنى الإصابة، أو تقليل المعدل الذي يصاب به الأشخاص بـ"كوفيد-19". ويتوقع الفريق أننا إذا لم نفعل شيئاً ولم نجعل الفيروس يغير مجراه، فإننا يمكن أن نشهد وفيات تعادل ثلاثة أضعاف تلك التي تنجم عن أمراض القلب والأوعية الدموية كل عام. وبالإضافة إلى ذلك، قدر الفريق أن الإصابات ستبلغ ذروتها في منتصف حزيران (يونيو). ويمكننا أن نتوقع رؤية حوالي 55.000 حالة وفاة، في يوم واحد فقط.
    إننا نفعل شيئاً، بطبيعة الحال. ولذلك من غير المرجح أن تتحقق هذه النتيجة. نحن نغلق المدارس والشركات ونلتزم بالتباعد الاجتماعي (التباعد الجسدي حقاً). ولكن، كما تُظهر الرسوم البيانية الواقعية المستخلصة من التحليل، فإن هذا لا يكفي. فحتى بعد قيامنا بهذه الأشياء، يتنبأ التقرير بوقوع عدد كبير من الإصابات، وبأن المزيد من الناس سيحتاجون إلى رعاية أكثر مما يمكننا تقديمه في مستشفياتنا، وبأن أكثر من مليون شخص قد يموتون.
    لماذا يتوقع فريق "إمبريال كوليدج" هذه النتائج للغرب في حين تبدو الأمور في طريقها إلى التحسن في آسيا؟ لأننا نتبنى مناهج مختلفة. فقد انخرطت الدول الآسيوية في استخدام سياسة "القمع". ونحن منخرطون في تدابير "التخفيف" فحسب.
    يُحيل القمع إلى حملة تشنها تلك الدول لتقليل عدوى الوباء، أو ما يسميه الخبراء "رقم الاستنساخ الأساسي"، لتهبط إلى أقل من واحد. وإذا لم يتم ضبطه، فإن رقم الاستنساخ الأساسي لـ"كوفيد-19" يتراوح بين 2 و3، ما يعني أن كل شخص مصاب سيصيب بالعدوى، في المتوسط ، شخصين إلى ثلاثة آخرين. ويشير هبوط الاستنساخ الأساسي إلى أقل من 1 إلى أن كل شخص مصاب سيتسبب بأقل من إصابة واحدة جديدة. وعندما يحدث ذلك، سوف يتوقف تفشي المرض ببطء.
    لتحقيق ذلك، نحتاج إلى فحص العديد من الأشخاص، حتى أولئك الذين لا تظهر عليهم أعراض. وسيسمح لنا الفحص بعزل المصابين حتى لا يتمكنوا من إصابة الآخرين. ونحن بحاجة إلى أن نكون متيقظين، ومستعدين لعزل الناس باجتهاد مطلق.
    لأننا فشلنا في إنشاء بنية أساسية للفحص، فإننا لا نستطيع الآن التحقق من صحة هذا العدد من الأشخاص. وفي الوقت الحالي، لا يمكننا حتى إجراء الفحوص لكل المرضى. ولذلك، نحن نحاول التخفيف -القبول بأن الوباء سيتقدم، لكننا نحاول تقليل معدل الانتشار قدر الإمكان.
    يقوم نهجنا الأساسي على التباعد الاجتماعي -مطالبة الناس بالابتعاد عن بعضهم بعضا. وهذا يعني إغلاق المدارس والمطاعم والحانات. ويعني مطالبة الناس بالعمل من المنزل وعدم الالتقاء في مجموعات من 10 أفراد أو أكثر. وهذه الجهود التي نبذلها هي تدابير جيدة ومؤقتة. وسوف تحسِّن إعاقة نمو العدوى فرصة لنظامنا للرعاية الصحية لمواكبة التطورات.
    لكن هذه الجهود لن تساعد الذين أصيبوا مسبقاً. وسوف يستغرق الأمر ما يصل إلى أسبوعين حتى يكشف المصابون اليوم عن أي أعراض، ولن يُظهر بعض الأشخاص أي أعراض على الإطلاق. ولا أن يمنع التباعد الاجتماعي هذه العدوى، كما حدث فعلاً. ولذلك، سوف تبدو الأمور أسوأ لبعض الوقت، حتى لو كان ما نقوم به هو جعل الأمور أفضل على المدى الطويل. سوف يستمر تفشي المرض في التقدم.
    ولكن، ثمة سبب للتفاؤل متضمن في تقرير "إمبريال كوليدج". ويجد التحليل أنه في سيناريو عدم فعل شيء، يموت الكثير من الناس -ويموتون بسرعة. ومع ذلك، بإجراءات التخفيف الجادة، تقوم العديد من الإجراءات التي نتخذها الآن بتبطيء تقدم الوباء. وبحسب التقرير، بحلول الصيف، سيقل عدد الأشخاص الذين يصابون بالمرض بحيث لا يكادون يُلحظون.
    على الرغم من ذلك، على هذا المسار سوف يبدأ عرض الرعب الحقيقي في الخريف ويسحقنا في الشتاء المقبل، عندما يعود "كوفيد-19"، مع نية الانتقام.
    هذا ما حدث مع تفشي إنفلونزا العام 1918. كان فصل الربيع سيئاً. وخلال الصيف، تضاءلت أعداد المرضى وخلقت شعوراً زائفاً بالأمان. ثم انفلت الجحيم من عقاله وقامت الدنيا ولم تقعد. وفي أواخر العام 1918، مات عشرات الملايين من الناس.
    إذا كان هناك نمط مماثل ينطبق على "كوفيد-19"، سيعني ذلك أنه في حين أن الأمور سيئة الآن، فإن سوءها لن يكون شيئاً مقارنة بما سنواجهه في نهاية العام.
    لذلك، يعلن البعض الآن أننا قد نظل في الحجر المنزلي والإغلاق للأشهر الـ18 المقبلة. ولا يرون عن هذا بديلاً. ويجادلون بأننا إذا عدنا إلى الوضع الطبيعي، فإن الفيروس سوف يركض ويتجول من دون رادع ويمزق الأميركيين في الخريف والشتاء، ويصيب 40 إلى 70 بالمائة منا، ويقتل الملايين ويرسل عشرات الملايين إلى المستشفيات. ولمنع ذلك، يقترحون إبقاء العالم مغلقاً، وهو ما سيدمر الاقتصاد ونسيج المجتمات على حد سواء.
    لكن كل ذلك يتأسس على افتراض أننا لا نستطيع أن نتغير، وأن الخيارين الوحيدين المتاحين هما ملايين الوفيات؛ أو مجتمع محطم فقط.
    لكن هذا ليس صحيحاً. يمكننا أن نفتح مساراً ثالثاً. يمكننا أن نقرر مواجهة هذا التحدي وجهاً لوجه. وهذا شيء في حدود قدرتنا. يمكننا تطوير وسائل فحص سريعة وموثوقة وواسعة الانتشار. وإذا قمنا بفحص الجميع، وقمنا بذلك بانتظام، فيمكننا أن نسمح لمعظم الناس بالعودة إلى حياة أكثر طبيعية. يمكننا إعادة فتح المدارس والأماكن التي يتجمع فيها الناس. وإذا تأكد لنا أن الأشخاص الذين يتجمعون ليسوا مُعدين، فيمكنهم الاختلاط والتواصل الاجتماعي.
    يمكننا بناء مرافق للرعاية الصحية، والتي تقوم بالفحص السريع وتقديم الرعاية للأشخاص المصابين، بعيداً عن أولئك من غير المصابين. وسوف يمكِّننا ذلك من منع انتقال العدوى من مريض لآخر في المستشفيات وغيرها من مرافق الرعاية الصحية. ويمكننا حتى أن نلتزم بإسكان الأشخاص المصابين بعيداً عن أفراد أسرهم الأصحاء، لمنع انتقال العدوى في المنازل.
    لكن هذه الخطوات وحدها لن تكون كافية.
    سوف نحتاج إلى تعزيز بنيتنا التحتية الطبية بشكل كبير. سوف نحتاج إلى صناعة أجهزة التنفس الاصطناعي وإضافة الأسرة في المستشفيات. وسوف نحتاج إلى تدريب الأطباء والممرضات ومعالجي الجهاز التنفسي وإعادة توزيعهم في الأماكن التي تمس الحاجة إليهم فيها. وسنحتاج إلى تركيز مصانعنا على إنتاج معدات الوقاية -الأقنعة، والقفازات، والأردية الواقية من الميكروبات وما إلى ذلك- لضمان الحفاظ على سلامة قوانا العاملة في قطاع الرعاية الصحية. والأهم من ذلك، نحن بحاجة إلى ضخ مبالغ هائلة من الموارد الفكرية والمالية لتطوير لقاح يكون من شأنه أن يضع نهاية لهذا الكابوس. وسوف ينهي لقاح فعال هذه الجائحة ويحمي المليارات من الناس حول العالم.
    لا تهدف كل الإجراءات الصعبة التي نتخذها الآن لتسوية المنحنى إلى إبطاء معدل الإصابة إلى مستويات يمكن لنظام الرعاية الصحية إدارتها فحسب. إنها تهدف أيضًا إلى أن تشتري لنا الوقت؛ إلى أن تعطينا بعض المساحة لنصنع ما نحتاجه لإحداث فرق حقيقي.
    بطبيعة الحال، سوف يتوقف كل شيء على ما نفعله بذلك الوقت. لقد تحولت الحالة المزاجية للبلاد في الأسابيع القليلة الماضية من اللامبالاة إلى حالة من الخوف والقلق. وهذا مناسب. فهذه جائحة خطيرة، وما يزال من الممكن جداً أن تطغى نسبة العدوى على وتيرة زيادة القدرة في بعض مناطق الولايات المتحدة. ومن المرجح أن يكون هناك مرضى تصل حالاتهم إلى درجة من الخطورة أكبر من أن تستطيع الموارد التي لدينا معالجتها، ما يعني أنه سيتعين على مقدمي الخدمة اتخاذ قرارات بشأن من هو الذي يعالجونه ومن الذي لا يفعلون.
    أي أنه ربما يتعين عليهم، بشكل صريح أو ضمني، أن يقرروا من يعيش ومن يموت.
    ومع ذلك، إذا التزمنا بالتباعد الاجتماعي، فسوف يتباطأ معدل الانتشار في مرحلة ما خلال الأشهر القليلة المقبلة. وسنكون قادرين على التقاط أنفاسنا. وسوف نتمكن من تخفيف القيود، مثلما تفعل الآن بعض البلدان التي ضربها الوباء في وقت أبكر. ويمكننا التحرك نحو استعادة بعض مظاهر الحياة الطبيعية.
    سيكون الإغراء عندئذٍ هو الاعتقاد بأننا تجاوزنا الأسوأ. ولكن، لا يمكننا أن نستسلم لهذا الإغراء. سوف يكون ذلك هو الوقت المناسب لمضاعفة جهودنا. وسوف نحتاج إلى الاستعداد للعاصفة المقبلة. سوف نحتاج إلى بناء مخزوناتنا، ووضع الاستراتيجيات، وتجهيز أنفسنا للاحتمالات.
    إذا اخترنا المسار الثالث، فسوف نسبق عودة ظهور العدوى عندما يصل الخريف التالي. ويمكننا أن نبقي على أعداد المعرضين للإصابة في حدها الأدنى، مع تركيز انتباهنا على المصابين، وإحداث تباعد بدني أكثر صرامة فقط -عندما، وفي المواقع، التي يفشل فيها ذلك. ويمكننا إبقاء المدارس والشركات مفتوحة قدر الإمكان، وإغلاقها بسرعة عند فشل القمع، ثم فتحها مرة أخرى بمجرد تحديد المصابين وعزلهم. وبدلاً من لعب دور الدفاع، يمكننا أن نكون أكثر هجومية.
    نحن بحاجة إلى استغلال الوقت على مدار الساعة لإيجاد علاج أو لقاح للوباء.
    في المرة الأخيرة التي واجهنا فيها وباء بهذا المستوى من العدوى، كان الوضع خطيراً، ولم يكن لدينا علاج أو لقاح. كان ذلك قبل 100 عام، وأدى إلى 50 مليون وفاة. وليست جائحة فيروسات كورونا غير مسبوقة، ولكنها ليس شيئاً شهده أي شخص على قيد الحياة من قبل. ومع ذلك، نحن اليوم أكثر دراية، وأكثر تنسيقاً وقدرة بكثير.
    ما يزال بعض الأميركيين في حالة إنكار، والبعض الآخر يشعرون باليأس. وكلا الشعورين مفهوم. لكن لدينا جميعاً خيار يجب أن نتخذه. يمكننا أن ننظر إلى النار القادمة ونتركها تستعر. يمكننا أن نجلس ونحتمي بأيدينا فوق رؤوسنا، ونأمل أن تنطفئ النار بالانتظار -أو يمكننا أن نعمل معاً للتغلب عليها وإطفائها بأقل قدر ممكن من الضرر. لقد واجه هذا البلد تهديدات هائلة قبل أن يرتقي إلى مستوى التحدي؛ ونستطيع أن نفعلها مجدداً. ونحن نحتاج فقط إلى أن نقرر جعل ذلك يحدث.

*آرون إي كارول: أستاذ طب الأطفال بكلية الطب بجامعة إنديانا.
*أشيش جها: أستاذ "كيه. تي. لي" للصحة العالمية بجامعة هارفارد. عميد الاستراتيجية العالمية في كلية "تي. أتش. تشان" للصحة العامة في جامعة هارفارد ومدير معهد هارفارد للصحة العالمية.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: This Is How We Can Beat the Coronavirus