هل أتاك حديث الأحزاب؟

مالك العثامنة يصلني على بريدي المنزلي في بلجيكا وبشكل أكثر كثافة على بريدي الإلكتروني في مواسم الانتخابات البلجيكية، رسائل طويلة وتفصيلية متعددة من الأحزاب البلجيكية المتنوعة. الأحزاب بمجملها حين تدخل مواقعها الإلكترونية وهي متاحة للعموم، لا تضع ديباجات إنشائية دون معنى حقيقي لها، هي تخاطب مواطنا مدركا أنه صاحب حقوق وعليه واجبات، وضمن هذين المتوازيين من الحقوق والواجبات وتحت مظلة القوانين تقدم الأحزاب طروحاتها البرامجية الواقعية حسب كل حزب ورؤيته وعقيدته، والعقيدة هنا مبنية على توجهات اليمين أو الوسط أو اليسار، محافظين أو ليبراليين، وفي كل موقع لكل حزب هناك مباشرة في الطرح لا خطابات حماسية فيها ولا مشاريع حلول لقضايا الكون وأقل طرح هو في السياسة الخارجية التي لا تعني كثيرا بقدر ما هي قطاعات التعليم أو الصحة أو النقل أو الرعاية الاجتماعية، والسياسة الخارجية في المحصلة هي أداة الدولة لتحقق مصالحها وترفد خزينتها وتحافظ على تعاونها الإقليمي والدولي خدمة لكل سياسات الداخل. مثلا، أنا الآن اقرأ وأقارن بين الحزب المسيحي الديمقراطي ” والذي يترأسه البلجيكي من أصل عراقي سامي مهدي، هل يمكنك تخيل ذلك دون ان تبحث عن ديانته؟ ” وفي رؤيته في قطاع الاقتصاد مثلا فهو يرى ان الحكومة هي المستثمر الرئيس في الاقتصاد ومن تلك الرؤية يطرح الحزب برنامجه الاقتصادي للمواطنين المؤمنين مثله بتلك الرؤية بتفاصيل رقمية حول طرق زيادة معدل الاستثمار العام ونسبته، لكن في برنامج الحزب الليبرالي الفلاماني فرؤيته الاقتصادية منذ البداية واضحة بقوله أن ( بالنسبة لنا ، الحرية تعني أن الدخل هو أولاً لك وبعد ذلك فقط جزء للدولة.) ومن تلك الرؤية التي ستجد من يؤمن بها بين المواطنين ويقدمون بالأرقام تفاصيل برنامجهم الاقتصادي الذي يسعى دوما إلى تخفيض الضرائب ويضعون هدفا نهائيا محفزا للعمل بوضع فارق كبير في الدخل بين من يعلمون ومن لا يعملون، هذه رؤية اجتماعية للاقتصاد قد تكون مغرية للبعض كي يتوجهوا للتصويت لهذا الحزب. هذا في قطاع الاقتصاد، ويمكنك ان تتجول بعد ذلك لوقت طويل في باقي القطاعات التي تشمل الأمن وبرامج دعم البوليس والرؤية المتباينة لمحاربة الجريمة وأيها يمثل أولوية لكل حزب، وهناك قطاع النقل والذي يناقض بتفاصيل واضحة ومتنوعة برامج كل حزب لدعم قطاع النقل ببرامج حقيقية رقمية مبنية على أسس منهجية في الإدارة. باختصار، في تجوالك على كل البرامج انت أمام حالة تسوق تختار فيه حكومتك التي قد تشكل أكثر من حزب في أي انتخابات بلجيكية، لكنك تقوم بالتصويت للرؤية التي تؤمن بها وتتبناها للدولة وفي المحصلة ستحترم رأي الأغلبية التي ستنجح مهما كانت، وتواصل حياتك شريكا في العملية السياسية. في الأردن، ما نزال “غالبا” ندور حول أنفسنا في الديباجات والخطب الإنشائية والسباق نحو الوجاهة المجتمعية والبرامج الحزبية ليست إلا إعادة تكرار لمواضيع الإنشاء المتخمة بمفردات “الإنجازات الوطنية، القضية المركزية، وثوابت الأمة العربية والإسلامية، محاربة الخصخصة!، دعم الاستثمار، الخ..). في قضية واحدة مفصلية مثل مناهج التربية والتعليم، أو التأمين الصحي مثلا..أسأل كل الأحزاب الموجودة والقادمة: هل هناك برنامج حقيقي مبني على خبرة علمية ومعرفية بالأرقام والتفاصيل؟ المقال السابق للكاتب للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان