هل أتاك حديث سلطة الشعب؟!

"الشّعب مصدر السُّلطات"، بهذا قُضي الأمر في دستورنا. وسَنداً للدستور ذاته، يُمارس الشعب سلطاته، ويشارك في الحكم بواسطة حكومات برلمانية، تتشكل من الكتلة أو الكتل التي حازت أغلبية مقاعد البرلمان. لكن في الواقع، "الشعب مش مْصَدِّق هالحكي"، والحكومات المتعاقبة لا تؤمن بهذه المقولة، وإن آمنت فإنها لا تتصرف على هديٍ منه.اضافة اعلان
العنوان الأبرز لتولّي جلالة الملك عبدالله الثاني الحكم، هو: الملكية الدستورية والدولة المدنية. وعلى المستوى المعرفي الثقافي، فإن الأوراق الملكية، تمثّل خريطة طريق مكتوبة للوصول للحكومات البرلمانية. وفي أحلك الظروف، أصر جلالة الملك على رؤيته الثابتة في تكريس الأردن دولة أردنية ديمقراطية مدنية.
تاريخياً، مارست الحكومات، لأسباب مفهومة أحياناً وغير مقنعة في أغلب الأحيان، سياسات حالت بين الشعب وممارسته لسُلطاته. فحيث نجحت الدولة -وبوقت قياسي- في تعديل أكثر من ثُلث مواد الدستور؛ في تعديلاتٍ يُرفع لها "العْقال"، تُمثّل ترسيخاً للملكية الدستورية، وصَوْن حريات الأردنيّين، فإنها ضيّعت أكثر من خمسة عشر عاماً من دون التوصل لقانون انتخاب تمثيليّ وطني، مُتعذّرة بالإخوان المسلمين تارة، وبالكثافة السكانية للمواطنين من أصول فلسطينية تارة أخرى.  
في أحسن حالاتهم، حاز "الإخوان" على نسبة مهمة، ولكنّها ليست حاسمة في عمل البرلمان. ومع أن إخوان الأردن مارسوا إبانَ "الرّبيع العربي" تنمراً على الدولة -غير مسبوقٍ في تاريخهم في الأردن- إلا أن الموضوعية تقتضي القول: إنهم حيثما شاركوا في الانتخابات، مالوا للمشاركة وليس للمُغالبة.
المواطنون من أصولٍ فلسطينية، ليسوا كُتلة واحدة متوحدة تُدار بـ"الريموت كنترول"؛ فهم منتشرون جغرافيّاً وطبقيّاً ووظيفيّاً ومصالحيّاً مع بقية أفراد الشعب، منهم من هو تحت خطِّ الفقر، ومنهم من هو فوقه، ومنهم الموالاة والمعارضة، و"الليبرال" و"الإخوان" وهكذا.
ومع الرفض القاطع لفكرة المُحاصصة، أو التوطين الجمعي أو الفردي؛ ومع الحسم بأن الهوية الأردنية هي هوية متنوعة جامعة، ولكنها هوية واحدة، أقول: إن مسألة المواطنين من أصول فلسطينية يجب الحديث فيها بصراحة وثقة، وتوضيح ماذا يتوقع هذا المُواطن من الدولة، وماذا تتوقع منه الدولة، فلم يَعد يُجدي حديث المجاملات بهذا الشأن، كما أنّه من الظلم للأردن أن يبقى هذا الأمر مبرراً لتأخير قوانين الإصلاح السياسي والاقتصادي.
ببساطة، المطلوب اليوم أن يتولّى الشعب سُلطاته الدستورية عن طريق حكومات برلمانية، ينتخبها على أساس برامج أردنية الهوى والمضمون، وأيضاً القيام بواجب المساءلة الذي لا تكتمل المواطنة إلا به.
ستقول جنابك: إن الحكومات حاربت وحظرت الأحزاب السياسية. ولكن، هذا انتهى منذ خمس وعشرين سنةٍ تقريباً، فاستُؤنفت الحياة الحزبية قبل ربع قرن. فهل ربع قرن غير كاف لتغيير منظور الناس للأحزاب، لو أن الأخيرة وصلت الناس؟
وقد تقول: الناس تخاف على رزقها وتتجنب العمل السياسي. ولكن، منطق "الحيط الحيط ويا رب السُّترة" لم يحسّن أوضاعنا الاقتصادية والمعيشية. ولهذا، فإن الخلاص اليوم بالانخراط في الأحزاب باعتبارها الطريق الدستورية للتغيير الذي يأمله كل منّا.
بيأسٍ معهود قد تُضيف: الناس تعودت طلب الرّيع، وإعانات الدولة والمكرمات، ولن يقبلوا بأي تصحيحٍ أو إصلاح سياسي جدّي. وأقول: من غير المعقول أن تبدأ الإصلاح من عند الناس "رقيقي الحال"، بل ابدأ ببرامج اقتصادية لتعظيم الثروة وليس لاقتسام الموجود. وهذا يتطلب تحوّلا ذهنيا وثقافيا للقطاع الخاص، وتشجيعا من الدولة للمبادرة الفردية والريادة. وبالمنطق، يجب أن تعطي للأقل حظاً طريقاً للخلاص من الرّيع قبل أن ترفع عنه الرّيع.
وقد تقول: البرلمان لن يكون فاعلاً في ظل قانون انتخاب الصوت الواحد غير التمثيلي. وأقول: الشعوب المدنية لم تَخلق البديل في ظل ظروف مثالية، بل تُناضل بالسلم والقانون لتغيّر واقعها، خاصّة أن الحكومة الحالية أعربت عن حسن نيّة بمشروع قانون الانتخاب الجديد.
ستقول وتقول.. ويمكن أن تردد الكثير، ولكن دعنا نَقُلها بصراحة: من دون مشاركة المواطن الفاعلة، والانخراط في أحزاب برامجية غير إقصائية، تعمل لتشكيل حكومات برلمانية، تهدف لخلق وضع اقتصادي يؤهل للاعتماد على الذات، ووقف الرّيعية، ومن دون قيادة تيارٍ تنويري عمادُه ثورة تنويرية في التعليم نوعاً وشكلاً، أقول؛ لن يكون هناك إصلاح!
نعم، علينا كمواطنين تولّي مسؤوليّتنا وسُلطاتنا الدستورية رغم كل الصعاب والعقبات. بغير ذلك، تظل السُلطة للجميع، ما عدا الشعب، "فاهم عليّ جنابك؟!".