هل أخطأ الكلالدة؟

كما جرت العادة مع معارضين سياسيين آخرين، تعرض الوزير خالد الكلالدة لسيل من النقد، بل والتجريح أحيانا، بسبب قبوله الانضمام للحكومة؛ في مزاج يعكس نظرة المجتمع إلى معارضة تتخلى عن موقعها سريعا أمام إغراء "الكرسي".اضافة اعلان
النقد يذهب أبعد من ذلك، حينما يؤشّر إلى أن المعارضة في الأردن لطالما كانت سبيلا إلى الموقع الحكومي، وبلوغ أعلى المراتب الرسمية، لدرجة تجعل هذا المبرر يُستخدم أحيانا للطعن في وجود معارضة حقيقية ونقد موضوعي للسياسات الرسمية، إلا من رحم ربي!
الانتقادات، كما الدعوات للكلالدة بالنجاح، لم تتوقف. واتخذ البعض مناسبة التكليف لاستذكار الشخصيات المعارضة الأخرى التي سبق أن دخلت الحكومة، ولم تخرج منها إلا بـ"قلم أحمر" شطب كل سجلها السياسي، مع لقب "معاليك" الذي يمتلك بريقا لامعا في مجتمعنا، على اعتبار أنه يشكل قيمة مضافة للفرد بعد حمله.
الوزير اليساري، وعلى صفحته على موقع "فيسبوك"، ذكر أن هناك مساحة للحوار مع المناوئين لقراره، مؤكدا استعداده لمناقشة نقدهم له، وإن رأى أن جزءا منه يبتعد عن الموضوعية أحيانا.
البعض يعتقد أن خطوة الكلالدة جاءت في الوقت الخطأ، ومتأخرة؛ إذ إنها تأتي بعد أن تراجعت المطالبة بالإصلاح رسميا وشعبيا، وتحديدا في ظل ما يحدث في مصر وسورية، كل لمبرراته.
دخول الكلالدة الحكومة، وهو الذي يمتلك رؤية سياسية واقتصادية واضحة ومعلنة، يأتي بعد كل الإخفاقات الحكومية في رسم أفق جديد للمشهد المحلي الذي يكتنفه الإحباط، ليكون التحدي الذي يواجه الناشط المعارض كبيرا، كونه يمتحن قدرته على إحداث فرق واختراق ملموسين على صعيد تغيير المسار الحالي ولو جزئيا.
يتوقع المنتقدون خروج الوزير اليساري المقرب من الحراك بخسائر كبيرة، بعد أن يعجز عن ترك بصمة واضحة على علاقة الدولة مع المعارضة التي جاء من بين صفوفها، وهو الذي يحمل حقيبة التنمية السياسية والشؤون البرلمانية.
الكلالدة له رأي واضح من قضية الاعتقالات، والمس بالحريات من خلال تعديل قانون المطبوعات والنشر، والانتخابات والأحزاب، وفي هذه النقاط، فإن لدى الوزير أفكارا ومواقف كثيرة يشترك بها مع ما كان يطرحه رئيس الوزراء، د. عبدالله النسور، حين كان نائبا، لكنه لم ينفذ منها شيئا بعد أن انتقل من "العبدلي" إلى "الدوار الرابع".
النتيجة التي يتوقعها من يتنبأ بعدم النجاح مرتبطة ربما بحال المعارضة التي لا تجد أفكارها بيئة مناسبة للنمو والتطور في أروقة المكاتب الرسمية؛ فتذبل ثم تموت، بعد أن يخوض "المعارضون" معارك هنا وهناك، لكنهم يركنون في النهاية إلى صعوبة التغيير، إذ إن يدا واحدة لا تصفق.
العلاقة بين السلطة التنفيذية والمعارضة لم تكن يوما ناضجة. وذلك مرتبط بشكل وثيق بتأخر الحياة الحزبية. تدلل على ذلك تجربة الحكومة البرلمانية التي فشلت في المحاولة الأولى لتشكيلها، ومدى ارتباط ذلك بغياب القوى السياسية عن المشهد السياسي، وضعف انتشار بعضها، وإقصائها أحيانا، لأسباب مختلفة.
وجود المعارضة في موقع القرار في الأردن لطالما كان انتقائيا؛ ليست له علاقة بأحزاب قوية قائمة على الأرض تفرض وجودها، بقدر ما يجسد رغبة لدى رئيس الحكومة في تطعيم حكومته بشخصيات ذات نكهة معارضة.
الغريب أن الوزير الذي تعرّض لأقسى نقد ورفض بسبب دخوله الحكومة، هو من جاء من صلب المعارضة السياسية، ما يطرح سؤال المليون حول مدى قدرة المعارضة على تولي السلطة، وتجربة الإسلاميين في مصر ماثلة اليوم، وأخطاؤها ونتائجها ما تزال حية أمامنا.
المشكلة ليست في الكلالدة، بل في العلاقة غير المتوازنة بين الحكومات والمعارضة.

[email protected]