هل أخلت "المياه والري" بالملاذ الآمن من مياه السدود؟

جانب من سد الوالة بعد أن انخفض منسوبه إلى حد الجفاف-(أرشيفية)
جانب من سد الوالة بعد أن انخفض منسوبه إلى حد الجفاف-(أرشيفية)

إيمان الفارس

عمان- فيما يطرح جفاف مخازين سدود بشكل متتابع حتى الآن، تساؤلات حول إدارة وزارة المياه والري – سلطة وادي الأردن، لملف الحفاظ على المخزون الاستراتيجي للمياه الشحيحة المتوافرة في السدود، أثار مصدر مطلع في الوزارة، مخاوف إزاء تراكم طمم الرسوبيات الواقعة على إحدى بوابات سد الوالة السفلية.

اضافة اعلان


وفي حين استجدت تطورات متسارعة على حالة السدود على نحو استثنائي، ومواجهتها المخاطر الناجمة عن الجفاف وشح مخازينها أو انعدامها، ومن ضمنها توقعات بجفاف سد الموجب، حاولت "الغد" الاتصال مع الوزارة للاستيضاح عن التفاصيل، لكنها لم ترد على الاتصالات المتكررة.


وعلى هذا الصعيد، انتقد خبير المياه الدولي د. دريد محاسنة في تصريحات لـ"الغد"، غياب الربط بين استطلاعات التنبؤات الجوية للموسم المطري، ومؤشرات مدى استمراريته وحجمه، ورسم الإدارة المائية أو التوزيع المائي، والذي يجب أن تكون حصته "في كل الأحوال لأغراض الشرب أكبر من الزراعة".


وقال محاسنة، إنه انطلاقا من الظروف التي واجهها الأردن خلال الموسم الشتوي الماضي من شح الهطل المطري، وارتفاع في درجات الحرارة، وأخذا باعتباراتها، "يجب أن تكون الإدارة المائية أفضل".


وبرغم ما شاب الموسم الصيفي الحالي من معايير الجفاف، لكن انتقادات وجهها خبراء في قطاع المياه للوزارة، إزاء عدم إعلان العام الحالي "عام جفاف"، وهو ما طرح تساؤلات حول جدية سعي الوزارة للحفاظ على مياه السدود، والتي لم تتجاوز نسب التخزين فيها، حتى نهاية الموسم المطري الماضي ما معدله 35 % من إجمالي سعتها التخزينية البالغة 336.4 مليون م3، إثر انخفاض نسبة الهطل المطري والناجمة عن تحديات التغير المناخي، وتعرض مياهها لتحديات التبخر، نتيجة درجات الحرارة المرتفعة، بالإضافة للاستمرارية بإسالة مياهها، لتغطية متطلبات بعض الزراعات.


وفيما انتقد مصدر مطلع في الوزارة، فضل عدم ذكر اسمه، إسالة الوزارة لكميات من المياه المخزنة في السدود، والتي سجلت نسبا متواضعة حتى نهاية الموسم الشتوي الماضي، وسط عدم توافر "بحبوحة" في تلك الكميات، تساءل المصدر عن كيفية احتساب المسال منها للزراعات، عن طريق السدود المخصصة للري، في وقت لم يتجاوز فيه مخزونها الـ20 % من إجمالي سعتها التخزينية، حتى مطلع صيف العام الحالي.


وقال المصدر، إن إسالة كميات من المياه المتوافرة في السدود المخصصة للزراعة لتلبية متطلبات المزارعين في المنطقة "دون تقنين"، أو غياب الأخذ بالاعتبار ترك مساحة للمخزون الاستراتيجي من المياه، والذي يفترض بأن يتراوح حجمه بين 25 الى 30 % من إجمالي سعتها التخزينية، ألقى بظلاله السلبية على أوضاع السدود حاليا، إذ تعاني من الجفاف، بالإضافة الى عوامل ارتفاع درجات الحرارة التي ساهمت بنفاد مياهها بشكل سريع الوتيرة، وتراكم الرسوبيات في بعضها.


وفيما حذر المصدر من خطورة تراكم الطمم على إحدى بوابات سد الوالة، مشيرا الى أنه ينذر بضرر إنشائي، قد يقع على جسم السد في حال لم بإنقاذه على وجه السرعة، أكد خبير السدود فؤاد عجيلات، أن تلك الرسوبيات التي تجمعت بفعل الأمطار والفيضانات، ليس لها تأثير على سلامة السد، إنما تسهم بتخفيض سعته الحقيقية.

وأكد عجيلات، أن سد الوالة آمن من الناحية الفنية، ولا خوف على ثباته واستقراره، معتبرا بأن ما يشاع عن سلامة السد، ما هو إلا تشويش على سلطة وادي الاردن وكوادرها الفنية ولتحقيق غايات خاصة.


وشدد عجيلات، أن سلامة السد وكافة أجزائه وضعها آمن، ولا خطر عليه، موضحا أن مصمم السد هو استشاري عالمي، بحيث كان نفسه الذي صمم كلا من سدي الملك طلال، في المرحلة الاولى، وكفرنجة، كما أشرف على أعمال تنفيذ سد الوالة، فيما شارك في الإشراف على أعمال تنفيذ تعلية سد الوالة كوادر أردنية، لها خبرات في مجال السدود تتجاوز 40 عاما من الخبرة العملية.


ولفت عجيلات الى صعوبة التخلص من الرسوبيات في بحيرة سد الوالة، لاسيما وأن عمليات تفريغ الرسوبيات مضنية ومكلفة ليس ماديا حسب، بل تتمثل في تبعات تفريغ المياه من البحيرة، والتي تحمل معها ما يقل عن 6 % من الرسوبيات، ما يعني خسارة كميات كبيرة من المياه العذبة.


وحول تقييم الوضع الحالي للمياه المتوافرة في المملكة، وسط تنبؤات بأن يكون الموسم المطري شحيحا خلال الموسم الراهن 2021 الى 2022، قالت أمين عام السلطة بالوكالة منار محاسنة، في تصريحات صحفية سابقة، إنه يتم عبر قناة الملك عبدالله إسالة المياه للشرب وللري، اذ تغطي احتياجات كل من شركتي "مياهنا" ومياه اليرموك".


وأضاف أنه اتفق على الحصول على 50 مليون م3 خارج إطار اتفاقية السلام، بالإضافة للمياه التي نحصل عليها من نهر اليرموك عن طريق سد الوحدة وآبار المخيبة، معربة عن أملها، بأن تسهم تلك المياه بسد جزء من عجز مياه الشرب وأغراض الري في الشمال.


وحول تقييم حجم العجز، بينت محاسنة أنه عند مطلع الموسم الصيفي الحالي، دخل الأردن بمخزون مائي في السدود من الموسم الشتوي 2020 الى 2021، أقل بـ80 مليون م3 مقارنة بالموسم الذي سبقه.


وقالت أمين عام سلطة وادي الأردن بالوكالة، نأمل ألا تصل سدود المملكة لمرحلة جفاف، لتبقى استخداماتها قائمة للزراعة في الموسم الحالي، لا سيما وأن المخزون متدن حاليا، حيث يبلغ 66 مليون م3 من أصل 336 مليونا، أي نسبة تخزين تقل من 20 %.


ونوهت محاسنة الى أن "وادي الأردن" تتعامل مع إدارة توزيع المياه في وادي الأردن حسب كميات المياه المتاحة، أكانت لأغراض الشرب أو للزراعة، معربة عن أملها بألا يكون هناك عجز، اذ كثفت الرقابة على قناة الملك عبد الله، والتي تعد نسبة الفاقد منها عالية نتيجة الاستخدام غير المشروع، أي سحب المياه منها لأغراض الزراعة، إلى جانب الفاقد الفني أيضا وسوء الاستخدامات.


وقالت إنه في هذا السياق، شددت الرقابة على القناة للحد من الاعتداءات والاستخدامات غير المشروعة، وكإجراء يوفر كميات متاحة لأغراض الشرب أو الري.


وفي تفاصيل المخارج بسد الوالة، أوضح عجيلات أنه في المرحلة الأولى لإنشاء السد بسعة 9.3 مليون م3 من المياه، كانت توجد 3 مآخذ؛ 2 على منسوب 495 مترا، وواحد على منسوب 505 متر، والهدف من هذه المآخذ إسالة المياه في الوادي، أسفل السد لتلبية حاجات المزارعين من مياه الري، وكذلك إسالة المياه للغايات الصناعية على الشاطئ الشرقي للبحر الميت، وتوريد مياه شرب الى عمان عند الحاجة.

وبسبب الطمي المتراكم خلف جدار السد، تعطلت المخارج عدة مرات سابقا على منسوب 495 مترا وتم استخدام المخرج على منسوب 505 عند الحاجة.


يذكر ان السد مخصص للشحن الجوفي لوادي الهيدان، ومن هناك تضخ المياه من الآبار في وادي الهيدان، وتزويد مادبا بمياه الشرب، ومن الصعوبة بمكان التخلص من الرسوبيات في البحيرة، والتي تتجمع بفعل الامطار والفيضانات، وليس لها اي تأثير على سلامة السد، لكن تقل سعته الحقيقية بسبب هذه الرسوبيات.


ونوه عجيلات إلى أنه حدث عدة مرات أن أغلق المخرج على منسوب 505 أمتار، ويفتح ويعاد تشغيله عن طريق الضغط العكسي في الانابيب، ويقوم بهذه المهمة عادة جهاز الصيانة التابع للسلطة، كما أن مخرج سد الملك طلال، تعرض عدة مرات للإغلاق أيضا وإعادة تشغيله بالطريقة نفسها.


وفي المرحلة الثانية من الانشاء، تم إعلاء السد 15 مترا لتصبح سعته التخزينية حوالي 28.4 مليون م3، ورفع المخارج من منسوب 495 الى منسوب 505 و510 و515 مترا، لضمان إسالة المياه من أي منسوب حسب الحاجة وحسب نوعية المياه. واضيف مخارج على منسوب 520 و525 و530، وبهدف تأمين مياه الشرب لمحافظة مادبا بالنوعية، اذ من المعروف أن المياه على السطح، تكون نوعيتها افضل ومناسبة للشرب اكثر من الاعماق بسبب تركيز عناصر مثل الامونيا في الاعماق.


ولم يعف رئيس جمعية مربي الأسماك والأحياء البحرية محمد شاهين، في وقت سابق، الوزارة من مسؤوليتها حيال الجفاف الواقع على سد الوالة، معتبرا بأن أسباب جفافه لم تقتصر على التبخر والسحب الجائر فقط، بل يعود أيضا لإفراغ جزء من مياه السد مطلع العام الحالي.


وتعتمد كل من سدود: الوالة والموجب والتنور بشكل كامل على مياه الأمطار، لعدم وجود رافد مائي لها من ينابيع أو سيول أو أنهار. كما سجل الموسم المطري العام الحالي أداء متواضعا جدا، اذ بلغ انخفاضا مقداره 80 مليون م3 من المياه مع بداية موسم الصيف، مقارنة مع بداية الموسم الماضي.


وأرجعت السلطة في وقت سابق، عوامل جفاف مياه سد الوالة، الذي تستخدم لتغذية الآبار الجوفية في وادي الهيدان، للسحب الجائر للمزارعين في وادي الهيدان، والذين يسحبون المياه من البحيرة مباشرة بشكل مخالف.


وكانت بواباته فتحت في شباط (فبراير) الماضي على مجرى وادي الهيدان؛ كإجراء احترازي بعد تدفق كميات كبيرة من مياه الأمطار من الأودية إلى السد.


وبحسب الوزارة حينها، شكلت لجنة بناء على عمل مؤسسي، وليس بقرار فردي، من داخل الوزارة تابعة لمديرية السدود، وتضم الطاقم المسؤول عن سد الوالة، وتشكلت بقرار من مجلس الوزراء.