هل أنهت تركيا حالة الطوارئ أم أنها جعلتها دائمة؟

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

سكوت باترسون - (كريستيان سينس مونيتور) 24/7/2018

التهديدات الأمنية المستدامة، سواء كانت حقيقية أو متخيلة، يمكن أن تضر بالديمقراطية. وفي تركيا، وضع الرئيس إردوغان نهاية لحالة الطوارئ التي امتدت عامين، لكن مساهتمها في إحكام سلطته على السلطة ربما تكون دائمة.

اضافة اعلان

*   *   *

لندن- بعد وقت قصير من نجاته من محاولة انقلابية قبل سنتين، وصف الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، المسعى الفاشل للإطاحة به بأنه "هدية من الله" لأنه فضح أعداءه، ووعد ببناء "تركيا جديدة".

وفي غضون أيام أيضاً، طبق الرئيس إردوغان وحزبه الحاكم، العدالة والتنمية، مرسوم دولة يقضي بفرض حالة الطوارئ على البلاد، والتي يقول المنتقدون إنها كانت حاسمة في تغيير النموذج السياسي التركي وتحويله إلى حالة دراسة للحكم الاستبدادي.

تم رفع حالة الطوارئ عن البلد مؤخراً، لكن العقلية التي تأسست في عمليات التطهير المستمرة، وعشرات الآلاف من الاعتقالات، والآن بشكل خاص بقوانين مقترحة أكثر شدة لمكافحة الإرهاب، قادت العديدين إلى الاعتقاد بأن حالة تركيا التي اصطبغت بطابع أمني أصبحت دائمة. وفي قمة الهرم إردوغان الذي يتمتع بسلطات شبه مطلقة في الرئاسة التنفيذية التي انتقلت إلى مستوى أعلى من الصلاحيات مؤخراً، وتحققت عندما فاز في الانتخابات الرئيسية يوم 24 حزيران (يونيو) الماضي.

يقول جنكيز أكتر، الأكاديمي والعالِم السياسي التركي في جامعة أثينا: "كانت هذه حالة طوارئ منظمة بطريقة جيدة للغاية ومدبّرة بعقل ذكي، وقد خدمت نفس هدف تحقيق الرئاسة التنفيذية التي كان الرئيس إردوغان يفكر فيها، والتي ستكون بلا ضوابط ولا توازنات -هذا واضح كل الوضوح".

وأضاف البروفيسور أكتر، مردداً شكاوى أحزاب المعارضة التركية: "لا تبدو تركيا عائدة إلى حكم القانون مع سلطة قضائية مستقلة ومجلس تشريعي عامل. ما أصبح قيد التطبيق الآن هو نظام شمولي بالغ المركزية. لا يحتاج (إردوغان) الآن إلى حالة طوارئ؛ لقد أسس حالة طوارئ دائمة".

تحت رعاية قانون الطوارئ المذكور، أدى هجوم كبير شُن على المجتمع المدني إلى تحويل مشهد السياسة منذ محاولة الانقلاب. وفي المؤسسات الرئيسية -من الجهاز القضائي والإعلام إلى قوات الأمن والخصوم السياسيين لحزب العدالة والتنمية- تم سحق المعارضة الحقيقية والمتخيلة باسم محاربة "الإرهاب".

عمليات تطهير واعتقالات

ليلة 15 تموز (يوليو)، حرّكت قوات الثوار التركية الدبابات إلى جسر فوق البوسفور في اسطنبول، وقام الطيارون الأتراك بقصف مبنى البرلمان في أنقرة. لكن المؤامرة فشلت بعد أن ظهر إردوغان في فيديو ملتقط بواسطة هاتف نقال وموصول بكاميرا لمحطة "سي. إن. إن تركيا"، وطلب من أنصاره النزول إلى الشوارع ومحاربة الانقلابيين المحتملين. وقد لقي نحو 240 تركيا مصرعهم وأصيب أكثر من 2.000 آخرين بجراح، في حادثة صدمت تركيا بقدر ما وفرت فرصة لإحداث تغيير سياسي جذري.

تلقي تركيا باللوم في محاولة الانقلاب على رجل الدين المنفيّ، فتح الله غولِن، وهو واعظ يتمتع بشخصية كاريزمية، كان قد عمل ذات مرة يداً بيد مع حزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية من أجل كبح جماح قوات الأمن العلمانية والمعارضين السياسيين. لكن تركيا فشلت في إقناع الولايات المتحدة بتسليم السيد غولِن من مقره في بنسلفانيا. وينفي غولِن هذه المزاعم، لكن التلاميذ السابقين يشيرون إلى أن تسللهم إلى المؤسسات التركية على مدى سنوات كان فقط لتحقيق مثل هذا الغرض، في يوم من الأيام.

نحَت المسؤولون الأتراك مصطلح "منظمة فتح الله الإرهابية" لوصف الطيف المتنوع من أتباع غولِن، وكان الذين اتُّهموا بأي صلة معه من بين ما وصل إلى 160.000 شخص من الموظفين العامين، والمدرسين ورجال الشرطة والقضاة الذين تم فصلهم من أعمالهم تحت قانون الطوارئ، مع القليل من إمكانية الاستعانة بأي شيء. كما تم اعتقال نحو 60.000 شخص وإغلاق 200 منفد إعلامي.

بالإضافة إلى ذلك، استُخدِمت السلطات التي تتيحها حالة الطوارئ أيضاً في صراع الدولة التركية مع المسلحين الأكراد من حزب العمال الكردستاني، الذي استؤنِف قبل ثلاث سنوات، وفي سعيها إلى السيطرة على ناشطي وعملاء تنظيم "داعش".

مع ذلك، ينكر مسؤولو حزب العدالة والتنمية أن حالة الطوارئ أصبحت دائمة، أو أن إردوغان استخدمها لتعزيز حكم الرجل الواحد. لكنهم يوضحون أيضاً أنهم يرون فائدة في الاحتفاظ بالسلطات التي توفرها.

"على الدولة أن تحمي نفسها"

في الأسبوع قبل الماضي، كتب إيلنور شفيق، المساعد الرئاسي، في صحيفة "ديلي صباح" الموالية للحكومة، أن التهديد من منظمة غولِن الإرهابية "ما يزال حاضراً كما كان في اليوم الذي حاربنا فيه طائراتهم ودباباتهم في الشوارع لإحباط عملية الاستيلاء".

وكتب شفيق: "كل يوم، يتم القبض على عضو في المجموعة الإرهابية، والذي يتحول إلى مخبر، ويكشف في كثير من الأحيان عن العشرات من أسماء ‘النائمين’ الذين يتم اعتقالهم بعد ذلك".

وكتب أيضاً أنه قبل الانقلاب، "كانت السلطات مقيدة بفعل القوانين، ولم تستطع أن تطهر الدولة حقاً من أولئك المدنيين". وقد غيرت حالة الطوارئ ذلك. ولهذا يعني إنهاؤها "أننا نجد أنفسنا في وضع غريب تقريباً. إن القتال ضد منظمة غولِن الإرهابية بعيد عن الانتهاء، والدولة في حاجة إلى ذخيرة للتعامل مع الخونة".

وأضاف شفيق أن قوانين مكافحة الإرهاب المقترحة لا ترقى إلى حالة طوارئ "محتجبة"، وأن "الدولة يجب أن تدافع عن نفسها".

ويقارن مسؤولون آخرون اقتراحات القوانين التركية الجديدة بالقوانين الأمنية القوية التي فُرضت العام الماضي في فرنسا، في نهاية سنتين من حالة الطوارئ هناك أيضاً.

وقال رئيس الوزراء التركي، بينالي يلدرم في أوائل تموز (يوليو) قبل أن يعيد المقترعون الأتراك انتخاب إردوغان، مؤذنين بقدوم نظام تنفيذي أزال وظيفة السيد يلدرم كرئيس للوزراء: "لقد تحولت سلطات قانون الطوارئ إلى قوانين طبيعية... وسوف نستكمل هذه العملية". وكان الأتراك قد وافقوا على الرئاسة التنفيذية في استفتاء أجري العام الماضي، والذي نظمه إردوغان وحزب العدالة والتنمية.

سوف تتيح الإجراءات المقترحة لمكافحة الإرهاب إنشاء لجان جديدة توضع في الهيئات القضائية وبين القوات الأمنية وفي الجامعات. وسوف يسمح ذلك باستمرار علميات التطهير، مع القليل من المطالب بإظهار أدلة على وجود صلة بـ"منظمة غولِن الإرهابية" أو أي مجموعة "إرهابية" أخرى. وسوف يتم تمديد أوقات الاعتقال، وستكون لدى الحُكام الإداريين الذين سيختارهم الرئيس بنفسه سلطات خاصة للحد من الحركة والتظاهُر. ويُفترض أن تنتهي صلاحية معظم هذه الإجراءات بعد ثلاث سنوات.

قمع المعارضة

رفعت أحزاب المعارضة أصواتها بالاعتراض على تعرضها للقمع، معتبرة أن حالة طوارئ بحكم الأمر الواقع سوف تستمر في البلد فعلياً، وهو ما سيؤدي إلى المزيد من قمع المعارضة. وكان كل المرشحين الرئاسيين من المعارضة قد وعدوا برفع قوانين الطوارئ منذ يومهم الأول، إذا فازوا. ويبدو أن شعبية تلك الرسالة قد أقنعت إردوغان ببذل الوعد نفسه عشية الانتخابات التي خيضت بتنافس قريب.

في حديث إلى محطة "بي. بي. سي" تركيا في الأسبوع قبل الماضي، قال يمان أكدينيز، أستاذ القانون في جامعة بيلغي في اسطنبول: "حتى لو أن قوانين الطوارئ قد انتهت فعلاً، فإن وضع الطوارئ سوف يستمر". 

وأضاف الأستاذ أكدينيز: "ليست لدينا أي مؤشرات على أنها ستكون هناك عودة إلى التطبيع في هذا الوقت. كل بلد لديه مشكلة مع الإرهاب، لكن النقطة المهمة التي تجب ملاحظتها هنا هي أن القوانين الجديد تقوض الحقوق والحريات الأساسية".

قامت الحكومة التركية بتطهير مجموعة أخيرة من 15.632 من الموظفين العامين في أوائل تموز (يوليو) مباشرة قبل رفع قانون الطوارئ، في إضافة إلى الـ16.000 الذين أقيلوا في السابق.

ويقول أكتر، العالِم السياسي: "حالة الطوارئ هذه أصبحت الآن طريقة دائمة لحكم البلد. وللأسف، توافق الغالبية العظمى من السكان على هذه الطريقة في حكمهم. ربما تكون هذه هي النتيجة الأكثر إثارة للقلق".

 

*نشر هذا التقرير تحت عنوان: Did Turkey end its state of emergency or make it permanent?

[email protected]