هل الإغلاقات غير مجدية..؟!

هنا، وفي معظم الأمكنة، ثمة فريق ينادي بتجنب أي نوع من الحظر والإغلاقات في مواجهة وباء كورونا. وتستند المطالبة إلى جملة مسوغات: الحفاظ على الاقتصاد، تجنب الآثار النفسية للحظر، أن الحظر لا ينفع في إيقاف العدوى، أو أن الحظر ليس له لزوم لأنه ليس هناك مرض أصلا. وتستجيب الحكومات بتقليل إجراءات وأوقات الإغلاق إلى أقل حد ممكن، حتى بينما تواجه ارتفاعات خطيرة تهدد استعداداتها الطبية.اضافة اعلان
مع ذلك، ما تزال الدول الكبيرة قبل الصغيرة تلجأ إلى الحظر والعزل والإغلاقات بدرجات مختلفة كطرق لا بديل عنها لمحاولة احتواء التفشي. ويستند هذا إلى منطق بسيط: كلما قلت أماكن وأوقات التقاء الأصحاء بمصابين محتملين، قلت فرص انتقال العدوى، ولذلك، تحاول الدول التي تضغط عليها المطالب الاقتصادية والاجتماعية إجراء مقايضات، وعلى سبيل المثال، يقومون بإغلاق المطاعم والمقاهي والملاعب، ويحظرون التجول في المساء والليل، لصالح فتح الأعمال أو المدارس والجامعات، على أساس أن تعوض الإغلاقات ما ستسببه النشاطات المفتوحة من إصابات –فوفيات بالضرورة.
بالنسبة لمعادلة الاقتصاد-الصحة، ثمة رأي يُقدّم الصحة والحياة باعتبارهما مقدمة الاقتصاد وخاتمته. ويكتب تران لي ثوي في صحيفة «الغارديان» عن تجربة بلده، فيتنام: «حتى الآن سجلت فيتنام (عدد السكان: 95 مليون نسمة) 35 وفاة فقط بسب فيروس كورونا المستجد». ويضيف: «في كانون الثاني (يناير)، عندما أعلنت ووهان عن أول وفاة، شددت فيتنام القيود على حدودها ومطاراتها بخصوص الزوار الصينيين. ولم يكن هذا قراراً سهلاً، بالنظر إلى أن التجارة عبر الحدود مع الصين تشكل قسماً مهماً من الاقتصاد الفيتنامي… كان الشعار في المرحلة الأولى هو أننا إذا بقينا أحياء، فإن مسألة الثروة والاقتصاد يمكن أن يأتيا لاحقاً… لكن الحكومة حولت استراتيجيتها لمكافحة كوفيد الآن نحو الاقتصاد». ويصف الكاتب إجراءات بلده لتعقب الإصابات وعزل المخالطين وبقية التدابير التي تكفل قمع العدوى والسماح للناس والأعمال بالعمل.
كانت الدولة النموذج في الاستفادة من الإغلاق والحظر لقمع المرض هي الصين. ولولا الإغلاق بالتحديد ثم متابعة محاصرة المرض بعد رفعه، لشهدت الصين بعدد سكانها الهائل كارثة غير مسبوقة في الوفيات. لكنها نجت بخسائر محدودة نسبيا، بل وسجل اقتصادها نموا بنسبة 5 في المائة في الربع الثالث.
في المقابل، كانت الدولة النموذج في عدم تطبيق الإغلاقات هي السويد. وقد اعتمدت على التزام المواطنين، وعزلت المرضى وكبار السن، ومنعت التجمعات لأكثر من 50 شخصا. لكن النموذج السويدي لم ينجح ويوصف بأنه كارثة –حتى مع التزام الناس المفترض هناك، والقدرات الصحية والتقنية وما شابه. ويقول تقرير حديث لمجلة «تايم» عن التجربة السويدية: «صنعت الطريقة السويدية القليل سوى الموت والبؤس. ولم يتم تصوير هذا الوضع بأمانة للشعب السويدي وبقية العالم».
بالنسبة للصحة، أظهرت البيانات أن تجنب الإغلاقات جاء بكلفة كبيرة. فحتى أواسط آب (أغسطس) كان عدد الإصابات المؤكدة لكل مليون في السويد 8.200، مقارنة بـ1.780 في النرويج و2.650 في الدنمارك، وهما دولتان فرضتا إغلاقات على نفسيهما. وكانت نسبة الوفيات في السويد أعلى من جارتيها، حيث بلغت 57 لكل 100.000 مقارنة بـ5 في النرويج و11 في الدنمارك. وبالنسبة للاقتصاد، يقول تقرير حديث لمجلة الإيكونوميست: «لم تحافظ حرية السويديين على الاقتصاد… وقد انكمش الإنتاج في الربع الثاني وحده بنسبة 8.3 في المائة –وهو أيضاً معدل أسوأ من بلدان الشمال الأوروبي الأخرى. ومن المؤكد أن وجود عبء إصابات مرتفع يضر بالاقتصاد أيضاً».
ويؤكد تقرير الـ"تايم" المذكور هذا أيضاً: «لم يقتصر الأمر على أن هذا النقص في التدابير يمكن أن يؤدي إلى المزيد من الإصابات والوفيات، ولكنه لم يساعد الاقتصاد أيضًا: كان أداء السويد أسوأ من الناحية الاقتصادية من بلدان الشمال الأوروبي الأخرى خلال الوباء».
مع ذلك، هناك مطالبات هنا بأن يتبنى الأردن النموذج السويدي تقريباً، على أساس الاعتماد على سلوك الناس من ناحية الالتزام بالتباعد والكمامات وتجنب التجمعات. وهناك اعتراضات حتى على ساعات الحظر الليلية أو لأيام محدودة، بمعنى تجاوز فرنسا وبريطانيا وإسبانيا وإيطاليا في رفع القيود. لكن مسألة جدوى الإغلاقات وعدمها في تجربة العالم مع الوباء تحتاج إلى إعادة قراءة، بموضوعية وعملية كما ينبغي.