هل الإنترنت آمن؟

محمود أبو فروة الرجبي

هل الإنترنت آمن؟ الإجابة السريعة لا، وهذا ما ناقشته ندوة أقامتها نقابة الأسنان الأردنيين في إربد، وتشرفت بالـمشاركة فيها مع مجموعة من القامات العلمية، وقد قلت خلالها جملة أكررها في كل مكان: الإنترنت ليس آمنا، وإذا أردت التعامل الآمن معه أو مع أي من تطبيقاته، فاعتبر نفسك في الشارع، لأن الاختراق وارد، ولا أحد محصن ضده، كما يمكن بأي طريقة أن يصل أي كان إلى خصوصياتك فيها.اضافة اعلان
مشكلة الإنترنت في العالم كله أنه أصبح متاحًا فجأةً ودون سابق تدريب أو تحضير للناس العاديين، وعلى عكس ما كان متوقعًا لم يستمر نخبويا لفترة طويلة من الزمن، والفضل يعود في ذلك إلى التطبيقات التي تم ابتكارها سريعًا، والتي لبت احتياجات متعددة للناس، وفي الوقت نفسه اتصفت بسهولة الاستعمال، والأمر الآخر هو التنافس المحموم الذي أشعلته الصين، وتسبب في تقديم أجهزة رقمية، ولوحية رخيصة الثمن، جعلت من الـممكن لأي إنسان أن يمتلك مثل هذه التكنولوجيا.
لا يمكن حصر فوائد الإنترنت وتطبيقاته، ولا نستطيع أن ننكرها، ولكن في الـمقابل هناك كثير من الإشكاليات التي ظهرت مع تطبيقاته، ومنها مسألة الخصوصية، والاختراق، والتنمر الإلكتروني، والإدمان، وإضاعة الوقت، والتشتت، والتأخر الدراسي وغيرها من الـمشكلات، وسنناقش هنا أخطر هذه الـمشاكل – حسب وجهة نظر البعض – وهي عدم الأمان، والتي يمكن إدراج الابتزاز، والاحتيال من خلالها.
هناك قصص كثيرة نسمع من خلالها عن قضايا ابتزاز تعرضت لها فتيات، أو رجال من مختلف المستويات، ونشعر بالصدمة، عندما ندقق في هذه القصص، ونعرف أن سببها عدم الوعي بالسلامة العامة، والحفاظ على الخصوصية من خلال الإنترنت، وفي الجانب الآخر، نصدم أكثر ونفاجأ عندما نقرأ عن أحد ما وقع ضحية الاحتيال، فدفع ثلاثين ألف دينار لعصابة خارج الحدود، أو وصلته رسالة تخبره أنه فاز بجائزة ويجب عليه تحويل مبلغ بسيط – بالنسبة لحجم الجائزة – ليصار إلى تحويلها له.
والغريب أنه يبدأ بتحويل مبالغ صغيرة، سرعان ما تكبر، وفي أحيان أخرى تصلك رسالة تتحدث عن شخص وجد ذهبًا فرعونيًا ويريد منك أن تسوقه له، لتحصل على نسبة كبيرة من الـمبلغ، ثم تفاجأ بعد أسبوع بطلبات تحويل الأموال التي قد تصل عند البعض إلى عشرات الآلاف.
في الحالة الأولى: الابتزاز، لا بد لكل شخص أن يحافظ على خصوصيته، وأن يعتبر أن الإنترنت ليس آمنا، وهذا يجعله يتصرف بطريقة مختلفة، ويحمي حساباته، وكأنها بيته، فلا أحد معصوم في عالمه الأزرق، فحتى أقوى الدول تقنيًا، وأكثر الشركات قوة، تعرضت للاختراقات بأشكال مختلفة، لذلك فإن قاعدتنا: اعتبر نفسك في الشارع عندما تستعمل الإنترنت، وتغيير كلمات السر بشكل دائم، وتثقيف نفسك بثقافة أمن الـمعلومات تساعدك كثيرًا وتقلل من احتمالية وقوعك ضحية مثل هذه الأعمال الإجرامية.
وفي الحالة الثانية: عندما اسأل نفسي: لماذا يتم اختياري أنا للحصول على جائزة، أو للمساعدة في فك مبلغ ضخم لمرحوم له نفس اسم عائلتي في بنك عالمي، أو ما شابه، وفي حالة حصلت على جائزة ضخمة، فلماذا لا يتم خصم الـمبلغ الـمطلوب مني منها؟
هذه أسئلة ناقدة تجعلك تقع فريسة عصابات بعضها موجود في دول إفريقية ترفض التعاون الأمني مع الأردن، ولذلك تصبح من الصعوبة ملاحقتها من خلال الانتربول، واعتقد أن أقوى حماية يحصل عليها الإنسان هي الوعي، فلا يمكن لإنسان واع أن يقع ضحية عصابات تعتمد على نقطة ضعف خطيرة عند الإنسان وهي الطمع، ووقتها تقل قدراته العقل، ويتعطل تفكيره، وينحصر بالحصول على الـمال، أو الغريزة في حالة الابتزاز، ووقتها تحصل الكارثة.
هناك أخطار في الابتزاز تقع على الأطفال سنتحدث عنها في مقال قادم، وفي النهاية نقول: إذا فكرت بعمق، وبفكر ناقد، وأدركت أن عصابات النصب والاحتيال والابتزاز وجدت في الإنترنت فرصة أكبر لتوسيع أعمالها، وأنك قد تكون الضحية التالية، وأنه لا يمكن لك أن تربح جائزة دون أن تشارك فيها، ولو شاركت وفزت فلماذا يجب أن تدفع، قد تتغير المعادلة، وتختفي هذه العصابات عندما لا تجد ضحايا جدد، فلا تكن أنت وقودها.