هل التعليم في الأردن مهنة أم مجرد عمل؟

هذا هو المهم أو الأهم، أي الإجابة على هذا السؤال بنعم أو لا، فإلى اليوم لم يُعترف بالتعليم في الأردن كمهنة (Profession) مثل بقية المهن العليا كالطب، والصيدلة، والهندسة، والمحاماة... فيه. وظل يُنظر إليه كعمل أو كوظيفة تقع في منتصف السلم أي بين المهن العليا والحرف. وحتى بعد إنشاء نقابة للمعلمين والمعلمات، لم تتغير النظرة الرسمية والشعبية إلى التعليم، ربما لأنه لم يَستكمل شروط المهنة. ومن ذلك ضرورة تحقيق مايلي: أولاً: نظام معرفي واضح الملامح والخطوط: أكاديمياً وعلمياً ومسلكياً. إن الاختلاف بين التربويين في هذا الأمر شديد. ثانياً: إعداد مهني مُطّول: بكالوريوس على الأقل زائد سنة إعداد مسلكي، اي في اساليب التعليم وفنونه، وفي نظريات التعلّم والتعليم. ثالثاً: معايير ترخيص أو اعتماد أو اعتراف بالمهنة لإتاحة العمل لصاحبها بها. رابعاً: استقلال ذاتي في اتخاذ القرارات بما يخص تفاصيل العمل اليومي في المدرسة وغرفة الصف. خامساً: تحمل المسؤولية عن الأداء كما تعكسها نتائج المتعلمين والمتعلمات وتقييمهم. سادساً: جمعيات نوعية تدور حول موضوعات التعليم تنهض بالأداء، وتعترف بالإنجازات الفردية. لطالما دعوت إلى انشائها ومشاركة المدرسة والجامعة فيها. سابعاً: مدونة سلوك، أو دليل أخلاقي ملْزِم محوره الالتزام بالواجب أولاً وليس بالحق فقط، فالواجب في نهاية التحليل إنتاج، والحق في نهايته استهلاك، ولا استهلاك قبل أو دون إنتاج. ثامناً: التعلم الدائم ومتابعة نتائج البحوث والنظريات الجديدة المتعلقة بالتعليم والتعلّم، والمشاركة في الدورات التربوية. تاسعاً: إحساس المعلم/ة وشعورهما، أي رؤية كل منهما لنفسه أنه معلم/ة حقاً، وليس مجرد مشتغل أو موظف في التعليم، بانتظار فرصة للهرب منه (الوظيفة غير المهنة) فالطبيب يرى نفسه طبيباً، والصيدلي، والمهندس، والمحامي... وحتى الحرفي كذلك (مواسرجي مثلاً). عاشراً: حب المهنة وقد اختَرتها، فهو المادة الفعالة اللازمة للنجاح. لقد أحببت شخصياً مهنة التعليم من كل عقلي وقلبي، وأحببت تلاميذي ومدرستي. كنت أشعر بالسعادة وأنا أُعلّم وأتعلم، وأرى التغير الإيجابي على وجوههم. وكنت أسعد بنجاحهم وبنجاحاتهم في العمل والحياة فيما بعد، وأسعد أكثر عندما التقي بهم. وإلا لولا حبي للتعليم أو لو فشلت فيه لتركته إلى بلدان النفط، وأصبحت مليونيراً كما فعل الذين هربوا منه. الحادي عشر: نقابة أو تنظيم خاص بالأعضاء الذين تنطبق عليهم الشروط تحميهم وتدافع عن حقوقهم وترتقي بالمهنة. وقد تم أخيراً تحقيق هذا الشرط. لقد تمكن أصحاب المهن الأخرى مبكراً من إنشاء نقابات خاصة بكل منها بينما مُنع المعلمون والمعلمات طيلة فترة الحرب الباردة من هذا الحق. كانت نظرة الدولة إليهم في حينه وربما إلى اليوم أمنية. غير أن هذا الوضع انقلب أو زال بانتهاء تلك الحرب، وببروز العولمة وحركة الديمقراطية وحقوق الإنسان والإنترنت. بتطبيق هذه الشروط – إن كانت مقبولة أو مطلوبة - لجعل التعليم مهنة نكتشف أن التعليم في الأردن ليس مهنة حتى بعد إنشاء النقابة، ومن ثم فلا معنى للحديث الاسترضائي عن قدسية التعليم، وعن "كاد المعلم/ة أن يكون رسولاً" ، والاّ كان للنقابة - مثلاً – حضور أو شراكة في مجلس النقابات، وسعر الدرجة العلمية في التعليم مساوٍ لسعرها في القطاعات الأخرى. لقد أوقع الأردن نفسه في إشكالات مستعصية على الحل بكثرة أنظمة الرواتب والأجور المفصل كل منها لهذا القطاع أو ذاك. كما أن التفاوت والرواتب والأجور بين قطاع التعليم العام وقطاع التعليم الخاص صارخ. وصارخ أيضاً داخل القطاع الخاص نفسه بين مدارس الأقمار والنجوم ومدارس العتمة. وعليه نقول: إنه إذا أردنا أن لا تبقى الأمور على حالها فيجب أن تتغير. وفي الختام: فإن الأمر كله يعتمد على فلسفة الدولة العامة في الشؤون المختلفة فيها، فهل للتعليم في الأردن في هذه الفلسفة المقام الأول كما في بلدان كثيرة، أم المقام الثاني أم المقام الأخير؟ هل تعتبر الدولة التعليم مهنة راقية بكل معنى الكلمة معنوياً ومادياً أم أنها في نظرها شبه مهنة، أو مجرد عمل أو وظيفة لا غير. تلكم هي المسألة ومن هنا نبدأ.اضافة اعلان