هل الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح مقبولة للفلسطينيين؟

الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الأمم المتحدة - (أرشيفية)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الأمم المتحدة - (أرشيفية)
ترجمة: علاء الدين أبو زينة ميتشل بليتنيك* - (ريسبونسيبل ستيتكرافت) 10/6/2020 أرسلت السلطة الفلسطينية إلى اللجنة الرباعية -الهيئة الدبلوماسية المكونة من الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، والتي من المفترض أن تتوسط في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني- اقتراحًا في إطار الرد على خطة إدارة ترامب التي نصت على قيام إسرائيل بضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية. وبحسب رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، فقد تم تقديم الاقتراح "قبل أيام قليلة" ولكن لم تتم مناقشته. استناداً إلى تصريحات اشتية، كان الاقتراح في الأساس هو إعادة تجميع للمصطلحات المألوفة لعملية أوسلو للسلام، وكان أكثر ما لوحظ بشأنه هو الافتقار الكلي لأي استجابة له. ومع ذلك، يثير الاقتراح بعض الأسئلة الجديرة بالتأمل. يأتي السؤال الأبرز في الخطوط العريضة المألوفة التي طرحها اشتية لدولته الفلسطينية المقترحة. وقد رأيناها عدة مرات من قبل، وأصبحت لازمة تتكرر على مر السنين، "دولة فلسطينية ذات سيادة، مستقلة ومنزوعة السلاح" مع "تعديلات طفيفة على الحدود عند الضرورة". عند النظر في أفكار من أجل إيجاد حلول، يبحث الأشخاص بشكل طبيعي عن الأفكار التي تتمتع بدعم كبير بين السكان. وكان حل الدولتين قد حصل على دعم فلسطيني كبير لسنوات عديدة. لكن هذا الدعم تآكل وتحول إلى حالة من عدم اليقين بسبب سنوات من الصراع، والتعنت الإسرائيلي، وتقاعس الولايات المتحدة عن فيعل شيء، وعدم الفعالية الفلسطينية الرسمية. ولكن، بينما نتساءل عن دعم الدولتين، يبدو أن أحداً لم يكلف نفسه عنا التساؤل عما إذا كان الشعب الفلسطيني يدعم "دولة منزوعة السلاح". من ناحية، يمكننا أن نفهم لماذا قد لا يرغب أولئك المهتمون بشكل أصيل بحل عملي على أساس الدولتين في مواجهة هذه المسألة. إن دولة فلسطينية قادرة على التسلح والدفاع عن نفسها ستغير طبيعة رؤية الدولتين بطريقة من غير المرجح أن يشعر معظم اليهود الإسرائيليين معها بالارتياح. ومن ناحية أخرى، يشكل هذا التصوُّر شرطاً أساسياً لحل الدولتين الذي تمت مناقشته منذ عقود، والذي يبدو أنه سيكون مثيراً للجدل بالنسبة لمعظم الفلسطينيين. فبعد كل شيء، سوف يعني هذا أنه بعد 72 سنة من التشريد و53 سنة من الاحتلال، لن يقتصر الأمر على أن الدولة الفلسطينية الموعودة لن تمتلك وسيلة للدفاع عن نفسها ضد تلك القوة المحتلة فحسب، بل إنها ستعتمد على ذلك المحتل نفسه للدفاع عن أراضيها من أي هجوم خارجي آخر. وحتى في حالة أفضل سيناريو، سوف يبقى هذا مفهوماً إشكالياً. فبعد كل شيء، قد تكون لدى دولة فلسطين النظرية هذه، حتى لو كانت في سلام تام مع إسرائيل، مشاكل أمنية مع الدول التي تعيش إسرائيل معها في سلام. فهل ستدافع إسرائيل عن دولة فلسطينية ضد حليف؟ ولعل الشأن الأكثر أهمية، مع ذلك، هو حقيقة أن مثل هذا الشرط يعني أن دولة فلسطين لن تكون ذات سيادة فعلية، لأن القدرة على الدفاع عن أراضي أي بلد هي شرط بنيوي للسيادة. وليس من المرجح أن تكون فكرة الاعتماد على جار كان تاريخه الكامل مع فلسطين موسوماً بالصراع، والاستيلاء على الأملاك، والتشريد والاحتلال، مقبولة لدى الفلسطينيين. في حزيران (يونيو) 2018، طرح المركز الفلسطيني للبحوث السياحية والمسحية، ومركز تامي شتاينميتز لأبحاث السلام، هذا السؤال بالذات في استطلاع. ولا ينبغي أن تكون الاستجابة مفاجئة. فقد عارض 77 في المائة من الفلسطينيين فكرة أن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح. وقال أقل من 20 في المائة فقط إنهم سيدعمون هذه الفكرة. وحتى بين المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، عارض أكثر من نصفهم قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح. ومن غير المعقول أن تكون وجهة النظر الفلسطينية بشأن هذه النقطة قد تغيرت في العامين الماضيين. وقد أدى انهيار العلاقة مع الولايات المتحدة، والغضب المتزايد من خطة إسرائيل لضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، والممارسة الإسرائيلية المستمرة لحجب جزء من الضرائب التي تحصلها نيابة عن السلطة الفلسطينية في محاولة لفرض تغيير على السياسة الفلسطينية المتمثلة في منح رواتب لعائلات الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل أو سجنتهم (بعضهم اعتدوا على إسرائيليين أو قتلوهم)، أدى كل ذلك إلى تعزيز مشاعر انعدام الثقة والعداء فحسب. على الرغم من أن احتمال حل الدولتين، أو أي حل آخر، هو مجرد خيال صرف في الوقت الحالي، فإن هذا ليس سؤالًا أكاديميًا. إن الفصل بين الموقف التفاوضي الفلسطيني وآراء الشعب الفلسطيني هو مشكلة أساسية يجب التعامل معها ومعالجتها. وقد ظهر هذا التناقض على مر السنين في قضية اللاجئين الفلسطينيين، وهو يسبب مشاكل أكثر مما يدرك الناس. وراء في أواخر التسعينيات، عندما كان الرئيس الأميركي، بيل كلينتون، يضغط على الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات للموافقة على قمة كامب ديفيد الثانية، أصبح الفلسطينيون داخل وخارج الضفة الغربية وقطاع غزة يشعرون باستياء وغضب متزايدين نتيجة للشائعات التي قالت أن عرفات سيوافق على التخلي عن حق اللاجئين في العودة. وقد حاول عرفات طمأنة الفلسطينيين بأنه لن يفعل أي شيء من هذا القبيل، لكنه رسم صورة أكثر ملاءمة لرغبات الأميركيين والإسرائيليين. ولم تتغير الأمور منذ ذلك الوقت. فقد استمرت المفاوضات على افتراض أن اللاجئين الفلسطينيين لن يعودوا أبداً إلى ما هو الآن إسرائيل بأعداد كبيرة، في حين أن حق العودة ربما ظل الشاغل المركزي للحركة الوطنية الفلسطينية. ويحدث الشيء نفسه الآن فيما يتعلق بفكرة الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح. بطبيعة الحال، رأينا السياسات الإسرائيلية تتحول على مدى سنوات عديدة؛ حيث تتحول أفكار سياسية كانت ذات مرة غير مقبولة على الإطلاق لتشكل التيار السائد، بل وحتى السياسات الرسمية. على سبيل المثال، على مدى عقود، تحولت إسرائيل من رفض مناقشة حل الدولتين، إلى قبوله رسمياً، ثم الانتقال إلى الضم، كما هو مقترح اليوم. ومن المسلم به أن أي حكومة إسرائيلية لن تمضي قدُماً في تبنّي سياسة تعارضها أغلبية ساحقة تزيد عن ثلاثة أرباع السكان، كما يُطلب من الفلسطينيين أن يفعلوا. ولن تضغط أي حكومة أميركية أو أوروبية على إسرائيل لفعل شيء كهذا أيضاً. ويعود ذلك جزئياً إلى العلاقة الحميمة التي تتمتع بها إسرائيل مع تلك الهيئات، ولكنه قرار عملي أيضاً. ليس من المنطقي أن يتم إبرام اتفاق على أساس شروط يعارضها أحد الأطراف بشدة. وحتى لو كان بالإمكان إبرام الصفقة، فإنها لن تؤدي إلى شيء سوى استمرار عدم الاستقرار والصراع. لكن هذا بالضبط هو ما توافق عليه السلطة الفلسطينية. الآن، بطبيعة الحال، يفعلون ذلك فقط كجزء من إيماءة سياسية. وهم يدركون بالتأكيد أن هذا الاقتراح لن يجد أي جاذبية في القدس أو واشنطن. وكانت الفكرة الكاملة وراء خطة ترامب هي إبطال رؤية أوسلو للدولتين. ولن تتأمل أي من الحكومتين هذه الخطة مرة أخرى. كما لم يكن واضحاً أيضاً ما إذا كانت السلطة الفلسطينية أم منظمة التحرير الفلسطينية هي التي سلّمت الخطة إلى اللجنة الرباعية. ويبدو أن التقارير تشير إلى أنها السلطة الفلسطينية، وهي غير مخولة لإجراء مفاوضات نيابة عن الشعب الفلسطيني. تستطيع منظمة التحرير الفلسطينية فقط القيام بذلك، الأمر الذي سيزود الولايات المتحدة بالمسوغات التقنية التي ستحتاجها للدفع بأن الاقتراح سيتم تجاهله. لا يمكن أن يكون الافتقار إلى تمثيل الشعب الفلسطيني أكثر وضوحاً. وعندما يحاول رئيس الوزراء الالتزام بموقف تعارضه هذه الأغلبية الساحقة من أبناء شعبه، فإنه لا يوجد أساس للتفاوض. يجب أن تكون الحاجة إلى قادة تمثيليين بديهية. ويجب أن يمثل هؤلاء القادة رغبات الشعب الفلسطيني، وليس المواقف التي تحددها إسرائيل والولايات المتحدة على أنها هي المقبولة. ولا يمكن أن تؤدي المفاوضات بين أي أطراف إلى نتائج في ظل أي شروط أخرى. *هو رئيس "إعادة التفكير في السياسة الخارجية". كان نائب رئيس مؤسسة السلام في الشرق الأوسط، ومدير مكتب "بتسيلم" الأميركي، والمدير المشارك لـ"صوت يهودي من أجل السلام". ظهرت كتاباته في هآرتس، ونيو ريبابليك، والجوردان تايمز، وميدل إيست ريبورت، وسان فرانسيسكو كرونيكل، ومجلة 972+، وآوت لوك، وغيرها من المنافذ. *نشر هذا المقال تحت عنوان: Is a demilitarized Palestinian state acceptable to Palestinians?اضافة اعلان