هل الديمقراطية التركية في خطر؟

كان يُنظر للديمقراطية التركية بوصفها نموذجاً يمكن احتذاؤه في العالم العربي، وبخاصة في فترة "الربيع العربي".
النموذج التركي كان يشكل حلاً لمشكلة العلاقة بين الدين والدولة، والعلاقة بين الدين والديمقراطية؛ فتركيا دولة مسلمة لكنها علمانية، وكذلك فإن ديمقراطيتها راسخة وصامدة بالرغم من الانقلابات العسكرية التي حدثت في فترات زمنية مختلفة.اضافة اعلان
الهجوم الذي قادته الشرطة على صحيفة "زمان" المعارضة يُعدّ الأخير في سلسلة من القرارات والسياسات التي أدت الى تراجع حرية الإعلام والتضييق على الحريات بشكل عام. هذا السلوك يُحيّد تركيا عن المسار التاريخي لتطور الديمقراطية التي شكلت عاملاً مهماً وحاسماً للطموح التركي بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وبعد أقل من 48 ساعة من الإطاحة بإدارة الصحيفة المعارضة، خرجت الصحيفة بعناوين مؤيدة للرئيس رجب طيب أردوغان. وهذا السلوك كان متوقعاً أن يحدث في دولة من دول العالم الثالث، وليس في تركيا.
الهجوم على "زمان" ليس الحالة الوحيدة التي تثبت تنامي النزعة السلطوية أو الدكتاتورية، وأنه استطاع السيطرة على الإعلام، بل هناك أكثر من ألفي دعوى قضائية على صحيفتين وإعلاميين خلال السنة الماضية بتهمة إطالة اللسان وإهانة الرئيس أردوغان التي تعدّ جريمة في تركيا.
ليس ذلك فقط، فقد شن أردوغان حملة كبيرة على معارضيه ونقاده، ومنهم أكاديميون وسياسيون، واستطاع أن يُحيّد الجيش.
كل هذه التطورات ستكون لها آثار سلبية على عضوية تركيا في حلف "الناتو"، وقد تضع نهاية لطموح تركيا بأن تنضم للاتحاد الأوروبي الذي يقوم على مجموعة من المبادئ المرتبطة بالديمقراطية والحرية.
المريب في الموضوع أن أوروبا والولايات المتحدة دانتا هذه الخطوة وغيرها من الخطوات بخجل شديد. وهي ليست المرة الأولى التي يتم فيها غض الطرف عن الاتهامات المرتبطة بالحريات وحقوق الإنسان. وقد يكون السبب الرئيس وراء تخفيف حدة النقد الأوروبي والأميركي هو حاجة أوروبا وأميركا للحصول على مساعدة تركيا في وقف تدفق اللاجئين السوريين لأوروبا التي باتت مخنوقة بأزمة اللاجئين. أردوغان يعرف ذلك جيداً، وهو يستغل هذه الحاجة للحصول على مبالغ مالية كبيرة مقابل خدماته تلك، ولكن ليس من المرجح أن يعجّل في انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي في أي وقت قريب.
الهجوم على صحيفة "زمان" يأتي ضمن سلسلة من الإجراءات التي اتخذها الرئيس أردوغان للتضييق على الحريات، وتقويض أحد أهم أركان الديمقراطية التي تمتعت بها تركيا، والتي ميّزتها عن غيرها من دول الشرق الأوسط.
الخطر في هذه النزعة الدكتاتورية هو الاستنتاج بأن الديمقراطية والإسلام لا يلتقيان. وهو استنتاج خاطئ بالطبع، فالمسألة كلها قد تكون مرتبطة بشخص أردوغان الذي كان حزبه وحكمه يشكلان حالة يمكن البناء عليها في المنطقة.
لقد سقط النموذج التركي في البلد التي أنتجته، فهل يسقط من عقول الذين ما يزالون يتغنون بهذا النموذج؟