هل العمل الإسلامي فعال؟

محمود أبو فروة الرجبي*

من الملاحظ أن الإسلاميين نشيطون جداً، وهم الأكثر حركة في المجتمع؛ ويكفي أن تنظر إلى النشاطات الجامعية على سبيل المثال، لتكتشف أن الطلبة المنضوين في التنظيمات الإسلامية، أو أصحاب التوجهات الدينية، هم الأكثر نشاطاً وحركة. اضافة اعلان
أما في الحياة، فيمكن ملاحظة أن الدعوة الفردية تنتشر في كل مكان؛ اذهب إلى محل الخضراوات مثلاً، وقد تجد البائع يحدثك عن الدين وضرورة اتباعه، وعن النبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ وفي العزاء عادة يتطوع أحدهم لإعطاء درس حول ضرورة الالتزام بأحكام الدين، أما في صالون التجميل فلن تفاجأ الفتاة حينما تجد إحداهن تقف وتبدأ بإعطاء موعظة حول ضرورة الالتزام بالزي الشرعي، وأحكام الإسلام.
وعلينا الاعتراف هنا أن المسلمين لا تنقصهم النية الصافية، والحماس في العمل، والتضحيات، فهناك الكثيرون ممن هم على استعداد لخدمة الدين والأمة، بل وفدائها بالأرواح، لكن هل يمكن القول إن فعالية هؤلاء عالية؟
في الواقع، إن فعالية العمل الإسلامي ليست عالية، على الرغم من قدرة الإسلاميين على التغلغل في المجتمع، والوصول إلى فئات كثيرة منه، وتحقيق إنجازات في بعض المجالات. والسبب أن الجهود الضخمة المبذولة لا تساوي النتائج؛ فهناك عمل هائل جداً على المستوى الفردي والمؤسسي، ولكن إذا قارنا الجهد المبذول بالنتائج فإن الأمر سيكون متواضعاً.
وإذا دققنا أكثر في المجتمع، فإن هناك عيوباً وإشكاليات لم تعالج بشكل فاعل، رغم الطوفان الهائل من الرسائل الإعلامية التي يقوم بها صناع الخطاب الإسلامي على مستوى وسائل الإعلام الجماهيرية، أو من خلال المساجد، أو عن طريق الدعوة الفردية، مثل انتشار الفساد بالمستويات جميعها، والظلم، وأكل الحقوق، وظلم الموظفين، أو قلة الإنتاجية، والكسل، وظلم المرأة، والسرقات الظاهرة والمخفية، إضافة إلى مظاهر الانحلال الأخلاقي، وعدم احترام العلم، والغياب شبه الكامل للبحث العلمي والتطوير من حياتنا.
وتكفي الإشارة إلى أن التغيرات الكبرى التي حصلت على المستوى السياسي في بعض الدول، مثلاً، كان وراءها أعضاء في أحزاب لا يزيد عددهم على المئات، بينما وصل عدد أعضاء بعض الجماعات الإسلامية إلى الملايين ولم يتمكنوا من إحداث تغيير كبير يذكر في بلادهم. وحتى الثورات العربية في الربيع العربي، فإن بداياتها لم تكن إسلامية، وإن كانت مشاركة الإسلاميين لاحقاً أعطتها دفعة قوية، ولكن المبادرة لم تكن منهم في غالب الأحيان، وربما لو بدأوا فيها هم لما نجحت لأسباب موضوعية كثيرة.
أما من الناحية الاجتماعية، فإن كثيراً من المشروعات المؤثرة تبدأ من جانب العلمانيين، وأحياناً يكون هناك مشروع يقوم عليه أفراد قليلون منهم، ربما كان تأثيره أكبر من مشروع يشارك فيه عشرة آلاف شاب من الإسلاميين، مع حصول استثناءات قليلة هنا أو هناك.
ترى مع عناصر القوة كلها في العمل الإسلامي، لماذا لا نصل إلى نتائج عالية، وفعالية كبيرة؟ حسب اعتقادي فإن هناك عدة أسباب لذلك، ومنها:
أولاً: هناك حماس شديد مشتت، وغير منظم، ولا يقوم على الطرق والأساليب العلمية في العمل، مما يؤدي إلى تقليل النتائج إلى أقل قدر، وحصول تضارب في بعض الأحيان، أو حماس يقل تدريجياً حتى يموت مع مرور الوقت.
ثانياً: هناك تركيز على مجالات معينة في العمل الإسلامي، وضخ هائل فيها، مع إهمال جوانب أخرى مهمة جداً. فعلى سبيل المثال، في مجال مساعدة الأيتام بالطعام، يتم اتخامهم به في شهر رمضان المبارك من خلال الموائد الجماعية، بينما تختفي هذه الموائد طوال السنة. كما أن التركيز الكبير على الأيتام، وإهمال فئات حالها أسوأ منهم وهم أبناء الأشخاص الكسالى أو غير المنتجين، يؤدي إلى تقليل الفاعلية في العمل. وفي المقابل، فإن مشكلات الأسرة، والظلم الواقع على كثير من الناس الذين لا يجدون من يدافع عنهم، وحماية المستهلك الذي يعاني الأمرين في بلادنا من ظلم بعض المؤسسات التي تقدم له خدمات سيئة وبضائع مغشوشة ومزورة وصلت إلى الأدوية، انتهاء بمشكلات الشباب، والعلاقات بين الجنسين، كلها مواضيع يغيب عنها العمل الإسلامي بشكل شبه كامل.
ثالثاً: معظم النماذج التي يتم غرسها في الشباب النشيط هي نماذج قديمة. ولا بأس في ذلك في مجال الأخلاق التي لا تتغير كثيراً مع تغير الأزمان، ولكن المشكلة أنه يتم الاتكاء على التراث بشكل أكبر من اللازم حتى في طرق العمل الحديثة، وأحياناً تغيب القدوة الحديثة التي تتعامل مع المستجدات، والتي يمكن أن تلهم الشباب للتغلب على مشكلاتهم.
رابعاً: المثالية التي يتم من خلالها العمل، بحيث أصبحت هناك فجوة بين الواقع الذي يتعامل وفق ما على الأرض من معطيات، وبين المثاليات. وهذا يؤدي إلى وجود خطاب متعال، يتعامل مع الناس وكأنهم ملائكة، ولا يراعي الواقع، فلا يؤثر في الناس كثيراً، وفي النتيجة النهائية يكون العمل غير فاعل. وأذكر في هذا المجال داعية قدمت محاضرة ونقاشا مع مجموعة طالبات حول ضرورة الابتعاد عن العلاقات مع الجنس الآخر، وخطابها كله كان مثالياً، وكأنها تريد من الطالبة ان تصبح ملاكاً. وهذه المثالية جعلت الطالبات لا يتجرأن ويسألن عن قضايا حقيقية تحصل معهن خوفاً من الاتهامية التي تتحدث بها الداعية التي فرحت لأنهن كلهن اتفقن معها فيما ذهبت إليه، لكن بعد خروجها ذهبت كل فتاة في طريقها، بدون ان تقتنع بشيء مما قالته الداعية، وأقل جملة تم وصفها به: هي لا تعرف من الواقع شيئاً. بينما لو قامت تلك السيدة بفتح حوار حقيقي بعيد عن المثالية، وصنعت أجواء ثقة مع الفتيات بعيداً عن التخطيء والشيطنة، لربما استطاعت أن تناقش الفتيات فيما يحصل معهن، ولتمكنت من مساعدتهن في مواجهة مشكلاتهن.
ولزيادة الفعالية في العمل الإسلامي بشكل عام، فهناك بعض الاقتراحات التي قد تساعد في ذلك، وهي:
أولاً: تدريب الشباب والقائمين على العمل الإسلامي فنون الإدارة، وطرق التفكير الصحيحة، خاصة في مجال تحديد الأولويات، مع جعل المرجعية الدينية أكثر مرونة في بعض القضايا. فعلى سبيل المثال، هل أنتظر رمضان لأنفق على عمل الخير؟ وهل يجب ان أوجه إنفاقي كله للأيتام للحصول على أجر أكبر، مع أن هناك فئات أخرى في المجتمع لا يقل حالها سوءا عن الأيتام؟
ثانياً: إضافة قضايا ومشكلات يتم التعامل معها من خلال المؤسسات والأفراد، ليتم معالجتها في المجتمع، مثل: حقوق العمال، ومحاربة الفساد، والبحث العلمي، واحترام العلم، واحترام الآخر، وتطوير مفهوم الأخلاق ليكون شاملاً لكل الأخلاق، وخاصة التعامل مع الآخرين، والحوار مع الآخر، واحترام التعددية في المجتمع.
هذه بعض الاقتراحات، لعل العمل الإسلامي يعدل من أهدافه، ويضيف إليها أهدافاً واقعية تخدم المجتمع، مما يعززه، ويجعله أكثر قدرة على التطور، والتقدم بواقعية، بعيداً عن المثالية التي جعلتنا نسير دائماً بوجهين.
*كاتب أردني