هل المال يغير حقا النفوس؟

منى أبو صبح

عمان- لم يستطع الخمسيني أبو رامز فهم واستيعاب تغير معاملة أحد أصدقائه المقربين تجاهه، خصوصا بعد تحسن أوضاعه المادية وبشكل مفاجئ.
يقول أبو رامز “لم تكن صداقتنا وليدة هذه الأيام، بل منذ سنوات عدة، قضينا أوقاتا ممتعة، وتشاركنا أوقات الفرح والحزن معا، لا أعلم ماذا حدث له، فقد ورث مبلغا ماليا كبيرا، استطاع من خلاله إقامة مشروع، وكتب له الله النجاح به.. وهذا الأمر أسعدني جدا، وقمت بالواجب تجاهه”.
ويضيف أبو رامز، أن صديقه تبدلت معاملته وأصبح يمتنع عن رؤيته، أو الرد على هاتفه، وكأنه يريد إيصال رسالة لي محتواها “انس صداقتنا.. فهي لا تتناسب مع حياتي الجديدة”.
يؤمن الكثير من الأشخاص بمقولة “الفلوس بتغير النفوس”، وهناك العديد من القصص والتجارب التي تملأ المجالس وتحكي عن تأثير “المال” في الأشخاص، وكيف يتسبب في انهيار العلاقات الإنسانية سواء بين الأقارب، الأصدقاء، أو الجيران.
ويعبر العديد من الأصدقاء عن استيائهم وغضبهم أحيانا من تبدل سلوكيات هؤلاء الأشخاص، متسائلين كيف يمكن للمرء أن يتباهى ويتفاخر بالمال ويتكبر على الآخرين وأحيانا يلجأ لمقاطعتهم.
وتعلق رانيا عوض (32 عاما) على هذا الموضوع، بقولها “لا أحزن على خسارة هؤلاء الأشخاص.. وصراحة هؤلاء لا يمكن وصفهم بالأصدقاء، معتقدة أن الأقارب الذين تتبدل نفسياتهم ومعاملتهم مع الآخرين بعد تحسن أحوالهم المعيشية يعانون من “عقدة نقص” ويحاولون التعبير عنها بالابتعاد عن الأشخاص الذين يذكرونهم بالماضي.
وتذكر مثالا على ذلك إحدى صديقاتها، بقولها “تعرفت على هذه الصديقة في الجامعة، ودرسنا سويا.. ضحكنا ومرحنا مع صديقاتنا الأخريات، فهناك مواقف لا يمكن نسيانها أبدا منها المحرجة، المؤثرة، القاسية وغيرها”.
وتضيف أنها تواصلت مع جميع صديقاتها بعد انتهاء المرحلة الجامعية ومنهن هذه الصديقة، لكنها فوجئت بانقطاعها تماما بمجرد خطبتها لشاب ميسور الحال.. حتى أنها لم تقم بدعوتها وبقية الصديقات لحضور حفل زفافها. متسائلة “لا أعلم هل يستطيع المرء أن ينسلخ من جلده؟!”.
وواجهت الأربعينية أم نائل الموقف ذاته في تغير معاملة الآخرين عقب تحسن الأوضاع المادية من قبل ابنة خالتها.
تقول أم نائل “ابنة خالتي هذه بمثابة أختي، فنحن بذات السن، وتربينا سويا، ولنا اهتمامات متشابهة ونشأنا سويا.. فذكريات الطفولة حافلة بالعديد من المواقف السعيدة والمؤلمة بذات الوقت، لكنها ضربت بعرض الحائط جميع هذه الذكريات بمجرد تحسن أوضاع زوجها وأسرتها”.
تضيف وتضحك ساخرة “لا أدري كيف يستطيع هؤلاء الناس تبديل شخصياتهم، والتعامل بكبرياء مع الآخرين، فلم أنسَ موقفها السلبي عندما طلبت مني في إحدى الزيارات لمنزلها بضرورة الاتصال بها مسبقا قبل التوجه لبيتها!”.
بيد أن الخمسينية أم ماهر والتي ورثت عن والدها أموالا طائلة، تقول “المال لم يغيرني أبدا، وأنا لا أنسى أبدا مساندة صديقاتي وجاراتي في الكثير من المواقف المفصلية في حياتي، ومعدنهن الطيب، وأنا لا أبدلهن بأموال الدنيا”. وتضيف أنها رفضت أن تغادر مكان سكنها القديم في أحد الأحياء، لأنه يعني لها الكثير، ولديها جارات لا تستطيع أن تبتعد عنهن بعد كل سنوات العشرة التي قضتها برفقتهن.
وتذهب إلى أن العلاقات الاجتماعية و”الصحبة” الحقيقية لا يعوضها أي شيء في هذه الدنيا، والمال لا يعلي من مراكز الأشخاص، بقدر ما تعلي من شأنهم الأخلاق.
ويشير استشاري الاجتماع الأسري مفيد سرحان إلى أن الإنسان بطبعه اجتماعي لا يستطيع أن يعيش بمعزل عن الآخرين، والحاجة ليست بالضرورة أن تكون مادية، بل هناك كثير من الأمور الاجتماعية والمعنوية التي قد تفوق بكثير الحاجات المادية، وبقدر ما يكون الإنسان قريبا من الآخرين يكون أكثر قبولا، وتأثيرا واحتراما.
والأصل، وفق سرحان، أن لا يكون الجانب المادي ومستوى المعيشة عائقا أمام إقامة العلاقات والتواصل مع الناس لأن قيمة الإنسان بما لديه من فكر وقيم وأخلاق، وليس بما لديه من إمكانيات مادية، فهذه الأمور رغم أهميتها إلا أنها ليست الأساس. وبعض الناس للأسف تجد تعامله يتغير وسلوكه أيضا إذا ما تغيرت ظروفه المادية نحو الأفضل والأحسن.
ويشير سرحان إلى أن هؤلاء الأشخاص يرفضون أحيانا الاستمرار في علاقاتهم القديمة، ظنا منهم ضرورة إقامة علاقات جديدة مع مستوى اقتصادي مختلف، وهذا خطأ كبير، فبقدر ما يحافظ الإنسان أو الشخص على علاقات الصداقة القديمة يكون أكثر نجاحا، والعلاقات الاجتماعية ليس بالضرورة أن تكون مبنية على المصلحة المادية، فهناك أمور أهم بكثير، وذلك لا يغير من مكانتهم بل يجعلهم أكثر احتراما وقبولا من الجميع.
وفي الوقت ذاته، هنالك الكثير من الأشخاص المقتدرين ماديا واقتصاديا ممن يشعر الفرد براحة كبيرة في التعامل معهم، لأنهم لا يشعرونه بأي فروقات تذكر.

اضافة اعلان

[email protected]