هل تتعلم الحكومة الدرس من قضية "موقوفي الحراكات" وتبتعد عن توتير الأجواء الذي يعيق الإصلاح؟

انتهت قضية موقوفي حراك الطفيلة والدوار الرابع بعد تدخل جلالة الملك عبدالله الثاني، بالإيعاز للحكومة بإطلاق سراحهم وفق الأطر القانونية المتبعة. هذه القضية كادت تتحول إلى أزمة بعد أن فشلت الحكومة في معالجة فصولها، مع أنها أكدت أكثر من مرة، ولا سيما في بداية القضية بعد توقيف ستة من نشطاء حراك الطفيلة، على سعيها إلى حل المشكلة، وإطلاق سراح الموقوفين. ولكنها بدلا من أن تفي بوعد رئيس الوزراء عون الخصاونة خلال كلمة ألقاها في مجمع النقابات المهنية في احتفال نظمته نقابة المهندسين الزراعيين لإحياء ذكرى معركة الكرامة المجيدة، أدخلتنا الحكومة في فصل جديد للقضية، عندما فرقت بالقوة اعتصاما نظمته الحراكات الشعبية والشبابية على الدوار الرابع مقابل دار رئاسة الوزراء، واعتقلت عددا من الناشطين، ما أدى إلى زيادة عدد الموقوفين من الحراكات، وعرضت الحكومة نفسها لحملة انتقادات واسعة؛ أولا لفضها الاعتصام بالقوة، وثانيا لاعتقالها النشطاء، وثالثا لعدم الوفاء بوعودها، وكان آخرها تصريحات وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، راكان المجالي، عندما أكد للصحفيين البرلمانيين في لقاء على هامش جلسة نيابية أن الحكومة ستطلق سراح الموقوفين، وحدد يوما آنذاك. ولكن الحكومة لم تقم بذلك، واستمر الاحتقان يتصاعد، ليصبح مطلب إطلاق سراح نشطاء الحراكات المطلب الأساسي لكافة الفعاليات الشعبية التي نظمتها أحزاب المعارضة والحراكات الشبابية والشعبية، وكان آخرها يوم الجمعة الماضي. كما أن إطلاق سراح موقوفي الحراكات أصبح مطلبا ليس فقط لأحزاب المعارضة والحراكات الشعبية والشبابية، وإنما أيضا لغالبية القوى والفاعليات المدنية والأحزاب الوسطية، ونشطاء نقابيين، والكتاب والصحفيين وغيرهم.اضافة اعلان
وقد جاء تدخل الملك ليضع الأمور في نصابها الصحيح. إذ إن استمرار توقيف نشطاء الحراك، في ظل الحديث عن تعرضهم للتعذيب والضرب والإهانة، سيزيد من الاحتقان وتوتر الأجواء، ويثير علامات استفهام كبيرة وخطيرة عن الإصلاح السياسي، كما يثير مخاوف الكثيرين بأن السلطة التنفيذية غيرت من أسلوب تعاملها مع المعارضة والحراكات الشبابية، وتتجه إلى المعالجة الأمنية بدلا من الحوار والانفتاح.
ويبدو أن الحكومات لا تتعظ من سابقاتها؛ فالحلول المتشددة لم تنفع عندنا ولا في الخارج، وإنما تنجح الحلول التي تعتمد الحوار والانفتاح، والتي أيضا تسعى إلى تحقيق الإصلاح الديمقراطي الذي نحتاجه بشكل حثيث في الأردن.
قد يتبادر للبعض من السلطة التنفيذية أن الإصلاح ليس استحقاقا إلزاميا للأردن، وأنه يمكن التغاضي عنه، والمماطلة فيه، واستخدام أساليب ملتوية للابتعاد عنه من دون إثارة الأوساط الشعبية. ولكن ذلك لا ينفع الآن في ظل التطورات المحلية، وقناعة رأس الدولة أن الإصلاح استحقاق لا بديل عنه، وكذلك في ظل قناعة القوى والفاعليات والحراكات الشعبية أن لا بديل عن الإصلاح. وكذلك، فإن التطورات والتغييرات في المجتمع المحلي تؤكد أن لا بديل عن الإصلاح، وأن الإصلاح الحقيقي يجب أن يتحقق في الأردن. وستفشل محاولات الشد العكسي في تفريغ الإصلاح من مضمونه ومحتواه الديمقراطي.
على الحكومة أن تتعلم من هذا الدرس، ولا تنتظر دائما التدخلات الملكية لإنقاذها مما أوقعت نفسها فيه. وعليها أن تسعى إلى الانفتاح على القوى السياسية المختلفة، وعلى رأسها الحراكات الشعبية والشبابية. كما عليها التعلم مما قاله الملك، عندما التقى وجهاء وشيوخ الطفيلة أول من أمس: "أنا مع الإصلاح السياسي ومحاربة الفساد، وأنا مع الحراك، لكن علينا أن نستخدم عقلنا، ونغلب لغة الحوار والعقل لنتقدم إلى الأمام".
 كما على الحكومة أن تسعى إلى الخروج بقانون انتخاب ديمقراطي. فمهمتها لم تنته بتقديم مشروع قانون للانتخاب، أقل ما يقال فيه إنه غير ديمقراطي، ولا يحقق الإصلاح المنشود، وتضع الكرة في ملعب النواب، علما أنها تعلم علم اليقين أن الكثير من النواب سيسعون إلى تفصيل القانون وفقا لمعاييرهم ورؤاهم، ومصالحهم أيضا؛ ما سيوجه ضربة قاصمة للإصلاح السياسي، إذا ما أقر قانون للانتخاب يكرس المصالح الذاتية، والفرقة، والخلافات.
عليها أن تعمل من أجل قانون انتخاب حقيقي، من خلال المساهمة في إجراء تعديلات على المشروع، بالاتفاق مع النواب. فغالبية القوى السياسية والحزبية رفضت مشروع القانون وتطالب بسحبه، أو إجراء تعديلات ديمقراطية جوهرية عليه.

[email protected]