هل تتكرر تجربة الحرب العراقية مع إيران؟

 

قبل ثلاثة أسابيع تناقلت وسائل الإعلام بشكل مكثف قصة إخبارية نشرتها لأول مرة "التايمز اللندنية" تحدثت عن خطة إسرائيلية  لشن هجوم جوي موسع على أهداف نووية إيرانية منتقاة، ضاعت تفاصيل القصة وسط أنباء أزمة تداعيات الانتخابات الإيرانية الأخيرة.

اضافة اعلان

المهم ليس قصة الهجوم والحرب المنتظرة منذ الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، بل الجوهر في الصيغة السياسية التي قُدمت فيها تلك الخطة والتفاعلات السياسية المرتبطة بها. يبدو ذلك في السياق الذي تحدث عن حصول إسرائيل على ضوء أخضر من قبل الولايات المتحدة على شن هجوم استراتيجي على أهداف منتقاة مقابل تقديم إسرائيل (تنازلات) في ملف التسوية السياسية مع الفلسطينيين، وتحديدا القبول بمبدأ حل الدولتين.

حينما نعود بالذاكرة إلى أجواء الدعاية التي أطلقت قبيل وأثناء حرب احتلال العراق في عام 2003 والتي تحدثت عن وعد أميركي صيغ على خلفية صفقة بين الاسرائيليين والاميركيين يتم بموجبها ضمان المصالح الاسرائيلية التي صيغت من أجلها العديد من أهداف الحرب، مقابل ضمان حق الفلسطينيين بدولة مستقلة قبل نهاية ولاية الجمهوريين في البيت الأبيض، وهي الوصفة التي سُوقت على النظام الرسمي العربي وجعلته يتجرع ذل حرب احتلال العراق!

ولمن يتذكر أيضا أن نفس الخطاب الدعائي استخدمه رئيس الوزراء البريطاني السابق "توني بلير" في تبرير التماهي البريطاني في المخطط الأميركي بالتأكيد على الوعد الذي قطعته الإدارة الأميركية في إحداث تحولات تاريخية في القضية المركزية للشرق الأوسط.

هناك شبه قناعة لدى تيارات تحليلية واسعة بأن إقدام إسرائيل أو الولايات المتحدة على عمليات عسكرية ضد إيران بات شبه مستحيل، وتيارات أخرى محدودة ترى تلك القناعة بأنها لا تعدو أكثر من أساليب دعائية، فيما تبرز للعيان رغبة واضحة في ربط مستقبل عملية التسوية في الشرق الأوسط بالتطورات على صعيد الدور الإيراني ومصادر التهديد والاستقرار التي يمكن أن يوفرها.

التفاؤل في الأوساط العربية حيال الاستراتيجية الأميركية الجديدة في الشرق الأوسط لم يأخذ بعين الاعتبار المضامين الجديدة بالفعل في بناء الأهداف الاستراتيجية، وهل ما يروّج له مجرد دعاية أم أهداف استراتيجية، حيث يدور التقدير الأميركي للمصالح القومية في الشرق الأوسط على محورين أساسيين، هما ملف "الإرهاب" الذي وإن أبعدت مفرداته من الخطاب السياسي فإنه الأكثر حضورا في التفاصيل وفي العمليات، فأزمات الشرق الأوسط ما تزال وفق هذا التقدير تتجاوز الحدود الجغرافية وتصل إلى أي مكان، المحور التقليدي الآخر الذي تقوم عليه الاستراتيجية الجديدة هو بترول الشرق الأوسط الذي ما زال يشكل شريان الحياة الأميركية المعاصرة.

تشبه هذه الأيام ما كان يحدث قبل عشر سنوات بالتمام، نهاية حقبة الديمقراطيين، انتظار دخول الجمهوريين البيت الأبيض، في أجواء فرصة تاريخية للتسوية على أكثر من محور، ثم تقدم مكانة المملكة السعودية وثقلها السياسي في واشنطن، فجأة تأتي أحداث التفجيرات تفرغ كل التراكم السياسي من مضمونه، تركب إسرائيل موجة تصفية ذلك التراكم من أساسه، وتحطم الحضور السعودي بمهارة عالية، وعلى المحورين يصبح شارون الحليف الأول الفعلي لجورج بوش في حربه على الإرهاب.

السيناريو الاسرائيليي لن يتكرر بهذه البساطة، فالعالم اليوم ليس كما هو الحال في مطلع القرن، استراتيجية الهروب الإسرائيلي مفتوحة على أفق من المناورة التي قد تصل إلى حماقة الحروب.

المهم، أن المحددات الراهنة تؤكد أن حروب الشرق الأوسط المتوقعة في العقد المقبل ستدور على هذين المحورين في الأرجح، بينما تبقى القضايا الأخرى تقاس قيمتها بمدى ارتباطها بهذه القضية أو تلك، وهذا ما يجعل فكرة مقايضة السياسة في هذا الملف بالحرب في ملف آخر قابلة للتصديق للوهلة الأولى.

[email protected]