هل تفوز الفاشية؟

فيديريكو فينشلشتاين وباولو بيكاتو وجيسون ستانلي* التصويت لصالح رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب يعد إقرارا وترسيخا للقومية البيضاء وذلك النوع من التفكير السحري التآمري الذي ينكر التهديدات الحقيقية مثل الأوبئة وتغير المناخ. ولكن من الأهمية بمكان أيضا إدراك حقيقة مفادها أن عدم التصويت ضد ترامب في انتخابات هذا العام يعد في حد ذاته شكلا من أشكال التعاون مع الهجوم الجاري على الديمقراطية. الواقع أن أميركا اليوم ليست مهددة بالاستبداد وحسب بل وأيضا الفاشية، التي تعمل كعقيدة معادية للديمقراطية بشكل صريح وتتمحور حول زعيم يَـعِـد بالإحياء الوطني في مواجهة ما تلحقه الأقليات، والليبراليون، والماركسيون بالوطن من خزي ومهانة. لكن العديد من الأميركيين لم يُصدموا على الإطلاق. فمن خلال تطبيع الخطاب والإيديولوجية في مناهضة الديمقراطية، نجح ترامب على نحو متزايد في تطبيع الحكم الاستبدادي أيضا. لهذا السبب يجب أن نفهم هذه الانتخابات على أنها صراع من أجل بقاء الديمقراطية الأميركية ذاتها. في حين تقدم الفاشية عادة رؤية كبرى لما يسمى «الإحياء الوطني»، فمن المؤكد أن ترامب ليس لديه مثل هذه الرؤية. لكن هذا لا يعني أن أميركا في مأمن من الفاشية. إن هجمات ترامب على الديمقراطية تعد استجابة للتحديات التي تواجه عبادته الشخصية، من التعبئة الوطنية للمقاومة ضد ركيزتها الإيديولوجية الرئيسية، القومية البيضاء، التي تبدو الآن أكثر توحدا من أي وقت مضى. في هذه المرحلة، تخلت عبادة الشخصية الترامبية تماما عن الحاجة إلى خطط ومقترحات فعلية (الواقع أن الحزب الجمهوري الذي يسيطر عليه ترامب الآن لم يكلف نفسه حتى عناء تقديم برنامج سياسي للانتخابات). يجسد ترمب كل ما يريده أنصاره، حتى عندما لا يعرفون هم أنفسهم ماذا يريدون. كل هذا من شيم القادة الفاشيين، الذين ينتحلون شخصية الأب لأولئك الميالين إلى الانجذاب إلى الشخصية الاستبدادية. في هذا السياق، يُنظر إلى أشكال أخرى من السلطة (ولتكن علمية أو قانونية) على أنها تشكل تهديدا مباشرا لزعيم فاشي طموح. لا عجب إذن أن يرد ترامب بغضب فوري عندما يعارضه أنتوني فوسي، كبير خبراء الأمراض المعدية في الولايات المتحدة. وحتى عندما أصيب ترامب ذاته بعدوى مرض فيروس كورونا 2019، استغل المناسبة كفرصة لاستعراض قوته البدنية. أخيرا، مع احتلال ترامب منصب الأب، تكتسب الترامبية بعدا دينيا قويا. لا يجوز لنا أن نستخف باستعراضات ترامب السخيفة الخرقاء للتدين. فكلما اعتبره أتباعه شكلا من أشكال السلطة الإلهية، شعروا بالارتياح إلى مبررات استخدام العنف في الدفاع عنه. مع استعار الانتخابات يزيد ترامب من خطر الفاشية. فهو على نحو روتيني يصف أولئك الذين يعارضونه بعبارات عنصرية وقحة، وقد زادت إدارته من حدة ووتيرة إساءة معاملة المهاجرين الخاضعين ليسطرتها، بما في ذلك ما زُعِم حول السماح لما أسمي «الجائحة الصامتة» بالانتشار في مركز احتجاز للمهاجرين في جورجيا. وعمل ترامب على تكثيف حملته لتقويض ثقة جماهير الناس في المؤسسات الانتخابية. وهنا، كان يبني على تاريخ الجمهوريين الطويل من الجهود الرامية إلى حرمان الناخبين الأميركيين من أصل أفريقي من حقهم في الانتخاب. الهدف من كل هذا هو تفادي إمكانية الخسارة الانتخابية من خلال الادعاء بأن مجموعة عريضة من النخب الإعلامية المناهضة للديمقراطية تقوم «بتزوير» النظام لمنع إرادة الشعب. وكما رأينا، لا يمكن لأي قدر من الأدلة التجريبية إقناع أنصار ترامب بأن مزاعم زعيمهم بتزوير الانتخابات خاطئة. ومن السهل رفض وتجاهل جهود تقصي الحقائق من قبل وسائل الإعلام على أنها مجرد مؤامرة أخرى بين أعداء الشعب من النخب. الانتصار الواضح الحاسم لصالح جو بايدن وحده الكفيل بزيادة صعوبة تحقيق ترامب لهذه الغاية. والمغزى الضمني هنا واضح: فالفشل في التصويت ضد عبادة ترامب لا يختلف عن الانضمام إليها طواعية. *فيديريكو فينشلشتاين أستاذ التاريخ في المدرسة الجديدة للبحوث الاجتماعية وكلية يوجين لانج، وهو مؤلف كتاب «موجز تاريخ الأكاذيب الفاشيّة». باولو بيكاتو أستاذ التاريخ في جامعة كولومبيا، وأحدث مؤلفاته كتاب «تاريخ العار: الجريمة، والحقيقة، والعدالة في المكسيك». *جيسون ستانلي أستاذ الفلسفة في جامعة ييل، ومؤلف كتاب «كيف تعمل الفاشيّة: سياسات نحن وهُـم». حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت.اضافة اعلان