هل تقوّض السياسة الإسرائيلية مساعي كوشنر لصنع السلام؟

netanyahu-
netanyahu-
ديفيد ماكوفسكي – (بوليتيكو) 19/3/2019 قد تؤدي لائحة الاتهام الأولية الصادرة عن المدعي العام الإسرائيلي، المؤلفة من 55 صفحة والتي تربط رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بثلاث تهم فساد، إلى التسبب بأضرار جانبية: فقد تهدد خطة الرئيس دونالد ترامب للسلام في الشرق الأوسط. حتى الآن، افترض الكثيرون أن نتنياهو قد يفوز في الانتخابات الإسرائيلية المقرر إجراؤها في 9 نيسان (أبريل)، وأن خطة ترامب التي طال انتظارها -وهي محاولة لإبرام ما وصفه الرئيس الأمسركي بـ"صفقة القرن"- قد يتم طرحها بعد فترة وجيزة. ونظراً للعلاقة الوطيدة التي تجمع ترامب ونتنياهو، يبدو من المؤكد أن الخطوط العامة للخطة ستناسب رئيس الوزراء الإسرائيلي، حتى لو أنه ربما يعترض على بعض عناصرها. غير أن الآمال لم تكن أبداً كبيرة، سواء في واشنطن أو في الشرق الأوسط، في تمكُّن ترامب من إحراز تقدّم لم يستطع العديد من الرؤساء الأميركيين تحقيقه سابقاً. ومع ذلك، لطالما أوعز هذا الرئيس الجديد إلى معاونيه بأن يسعوا إلى بذل هذا الجهد، حتى في الوقت الذي انتقد فيه قادة المنطقة ومفكروها مساعي السلام التي يقوم بها باعتبارها غير واقعية وأحادية الجانب وفي غير أوانها، أو ما هو أسوأ من ذلك. لكن التحدي الأكبر الذي يواجهه ترامب قد يتمثل في الرياح السياسية المتغيرة في إسرائيل. فلا يمكن لرئيس وزراء أن يتحمل المخاطر الكبيرة المطلوبة للسلام إذا لم يكن قوياً، لكن نتنياهو يكافح من أجل تخطي بضعة أسابيع صعبة. أولاً، ثمة اندماج لحزبين من الوسط، والذي شمل انضمام غير مسبوق لثلاثة رؤساء أركان جيش سابقين، والذين بإمكانهم إبطال ميزة نتنياهو في مجال الأمن القومي التي تنطوي على أهمية كبيرة. ويترأس هذا الحزب الجديد "أزرق أبيض" رئيس الأركان السابق لـ"جيش الدفاع الإسرائيلي" بيني غانتس، الذي تقدّم فجأة على نتنياهو في استطلاعات الرأي. ثانياً، شكّلت لائحة الاتهام الأولية الصادرة عن المدعي العام بحق رئيس الوزراء سحابة قانونية تطال نتنياهو. وقد تكون أمام غانتس فرصة فعلية لعزل نتنياهو، على الرغم من أن رئيس الوزراء الحالي كثف حملاته الانتخابية بشكل مستمر خلال الأسابيع الأخيرة وأبطل تقدّم غانتس. كما أن نتنياهو واثق من قدرته على جمع ائتلاف أغلبية بسهولة أكبر. ومع ذلك، وحتى لو فاز في انتخابات نيسان (أبريل)، فإن القضية القانونية ستطارد مستقبل نتنياهو السياسي لعدة أشهر قادمة. تؤثر المواجهة بين غانتس ونتنياهو أساساً على الحسابات الأميركية قبل إطلاق الخطة. فخلال مؤتمر حول الشرق الأوسط بقيادة الولايات المتحدة عُقد مؤخراً في وارسو، أعلن صهر الرئيس ترامب ومستشار البيت الأبيض، جاريد كوشنر، أن الولايات المتحدة لن تُطلق الخطة إلا بعد الانتخابات الإسرائيلية. ويقوم كوشنر، الذي كلّفه ترامب بإدارة المفاوضات، بالتشاور مع القادة العرب حول الأبعاد الاقتصادية للخطة، آملاً في أن تغطي دول الخليج الأكثر ثراءً تكاليف تركيز الاقتراح على التنمية في المنطقة. وبالطبع، من غير المحتمل أن تُقدم دول الخليج على هذه الخطوة قبل الاطلاع على المزيد من الجوانب الحساسة من الخطة فيما يتعلق بقضايا مثل القدس والحدود. ومع ذلك، فإن مجرد قيام كوشنر، خلال مقابلة مع "سكاي نيوز عربية"، بالتذكير بأن الخطة ستتعامل مع مسألة "الحدود" كان كافياً لزعزعة السياسة الإسرائيلية. وقد اعتبر أبرز منافسي نتنياهو في معسكر اليمين، وزير التربية نفتالي بينيت، هذا التلميح بمثابة مؤشر على إقامة دولة فلسطينية، وأطلق حملة انتقادات واسعة يتهم فيها رئيس الوزراء بأنه سيخضع لترامب بعد الانتخابات. ويمكن للمرء أن يتوقّع عدم إجراء كوشنر الكثير من المقابلات المستقبلية المماثلة منذ الآن وحتى الانتخابات الإسرائيلية. وفيما يلي ثلاث نتائج محتملة لهذه الانتخابات، والتي لا يبدو أن أياً منها تبشر بالخير لخطة السلام: الخيار الأول: فوز نتنياهو وميله إلى اليمين بسبب تركيبة الانتخابات القائمة على تعدد الأحزاب. وإذا حدث ذلك، قد يتقلّص المجال المتاح أمامه للتوصل إلى حلول وسط بشكل أكبر. فمن جهة، سيعتبر انتصاره بمثابة تبرئة شخصية له من المشاكل القانونية التي يواجهها. ومن جهة أخرى، لنتنياهو خصوم في معسكر اليمين، بمن فيهم الحزب الذي يقوده بينيت وآخر بقيادة وزير الدفاع السابق أفيغدور ليبرمان. وفي وقت ما يزال إصدار لائحة اتهام نهائية بحقه يلوح في الأفق، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: إلى أي مدى يمكن أن يتوقّع أن يتلقى الدعم من هؤلاء المنافسين؟ من المرجح أن يتحوّل ميزان القوى داخل الائتلاف بعيداً عن نتنياهو طالما تستمر السحابة القانونية في أن تحوم حوله، وهو ما يترك مصيره السياسي بين أيدي خصومه الذين يعتبرون أن أفكار ترامب تحمل الكثير من المجازفة بالنسبة لإسرائيل. الخيار الثاني: فوز نتنياهو، وإنما ميله إلى معسكر الوسط. وثمة تكهنات باحتمال قيام نتنياهو باستخدام عرض خطة ترامب بعد الانتخابات لتوسيع المجال السياسي في الوسط، بحيث يعيّن غانتس وزيراً للدفاع والزعيم الآخر في حزب "أزرق أبيض" الوسطي يائير لبيد وزيراً للخارجية. وفضلاً عن ذلك، قد يساهم تركيز وسائل الإعلام على خطة السلام في تشتيت انتباه الناس عن مشاكل نتنياهو القانونية. ومع ذلك، صرّح غانتس بأنه لن ينضم إلى الائتلاف نفسه مع نتنياهو. وإذا وفى بوعده، فإن ما كان يعتبر في السابق السيناريو الأكثر ترجيحا يكون قد ذهب أدراج الرياح –في الوقت الراهن على الأقل. الخيار الثالث: فوز غانتس بفارق كبير وتشكيله ائتلافاً معتدلاً من أحزاب يسار-الوسط، مع احتمال انضمام بعض الأحزاب اليهودية المتشددة للغاية. (ولم يستبعد غانتس أيضاً ضمّ حزب "الليكود" كشريك صغير طالما يتمّ استبعاد نتنياهو). ومن الناحية النظرية، يجب أن تسرّ هذه المقاربة ترامب، إذ سيكون هذا الائتلاف قائماً على التوافق مع واشنطن والشركاء الفلسطينيين. ومع ذلك، ولهذا السبب بالذات، من غير المرجح أن يدعم غانتس خطة سلام لم تتسن له فرصة رسم معالمها على النحو الذي أتيح لنتنياهو خلال الفترة الماضية التي تجاوزت العامين. وسوف يتعين على الولايات المتحدة التشاور مع غانتس الذي قد لا يتولى منصبه قبل أواخر الربيع. من جهة، من المرجّح أن ينجذب غانتس -على غرار نتنياهو- إلى تركيز ترامب الإقليمي على الدول العربية، وهي فكرة مصممة لكي تُظهر للإسرائيليين ما سيكسبونه -وليس فقط ما سيتنازلون عنه- لقاء الوعد بالسلام. وفي الوقت نفسه، لن يرغب غانتس الذي يتوخى الحذر في قيام ترامب بطرح شيء من المرجح أن يرفضه الفلسطينيون، كما يبدو عليه الحال بسبب التوقعات بفرض شروط تعود بفائدة أقل على الفلسطينيين من تلك التي اقترحها بيل كلينتون في العام 2000 ووسط تدهور العلاقات بين واشنطن ورام الله منذ قيام ترامب بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس في كانون الأول (ديسمبر) 2017. بالنسبة لغانتس، لن تكون محاولة المغامرة بكل شيء وحل النزاع برمته كما يفضّل ترامب نقطة إيجابية في صالحه إذا كانت النتيجة هي الفشل. فهو يعتقد بأن من الأفضل إحراز تقدّم مع الفلسطينيين، على الرغم من أنه أعرب عن تشاؤمه من احتمال إبرام اتفاق كبير في الوقت الراهن. وفي المقابل، قد يفضّل البعض ضمن معسكر اليمين الإسرائيلي فشل خطة ترامب إذا اعتقدوا أن اللوم عن رفضها سوف يُلقى على الفلسطينيين، وأن بإمكانهم جني ثمار غضب ترامب على الفلسطينيين من خلال ضم أجزاء رئيسية من الضفة الغربية وسط احتجاجات طفيفة من واشنطن. قد يضيف أي من هذه النتائج الانتخابية الثلاثة شكوكاً جديدة حول قابلية تطبيق الاقتراح. ولطالما كانت خطة ترامب للسلام طريقاً شاقاً، لكن المسار يبدو أكثر وعورة في الوقت الحالي. *زميل "زيغلر" المميز ومدير "مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط" في معهد واشنطن. شغل سابقاً منصب مستشار سياسي بارز في مكتب وزير الخارجية الأميركي.اضافة اعلان